وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: «فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ، فَاسْتَنْفِقْهَا» . وَفِي لَفْظٍ: " وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكَ ". وَفِي لَفْظٍ: " ثُمَّ كُلْهَا ". وَفِي لَفْظٍ: " فَانْتَفِعْ بِهَا ". وَفِي لَفْظٍ: " فَشَأْنَك بِهَا ". وَفِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: " فَاسْتَنْفِقْهَا ". وَفِي لَفْظٍ: " فَاسْتَمْتِعْ بِهَا ". وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّ مَنْ مَلَكَ بِالْقَرْضِ مَلَكَ بِاللُّقَطَةِ كَالْفَقِيرِ، وَمَنْ جَازَ لَهُ الِالْتِقَاطُ مَلَكَ بِهِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، كَالْفَقِيرِ. وَحَدِيثُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَثْبُتْ، وَلَا نُقِلَ فِي كِتَابٍ يُوثَقُ بِهِ
وَدَعْوَاهُمْ فِي حَدِيثِ عِيَاضٍ أَنَّ مَا يُضَافُ إلَى اللَّهِ لَا يَتَمَلَّكُهُ إلَّا مَنْ يَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ. لَا بُرْهَانَ لَهَا، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَبُطْلَانُهَا ظَاهِرٌ؛ فَإِنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا تُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى خَلْقًا وَمِلْكًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣] .
[فَصْلٌ تَدْخُلُ اللُّقَطَةُ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ تَمَامِ التَّعْرِيفِ حُكْمًا]
(٤٥٠٤) فَصْلٌ: وَتَدْخُلُ اللُّقَطَةُ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ تَمَامِ التَّعْرِيفِ حُكْمًا، كَالْمِيرَاثِ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِقَوْلِهِ: " وَإِلَّا كَانَتْ كَسَائِرِ مَالِهِ ". وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ: إذَا جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا كَانَتْ كَسَائِرِ مَالِهِ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَخْتَارَ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَقَوْلِنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَمْلِكُهَا بِالنِّيَّةِ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَمْلِكُهَا بِقَوْلِهِ: اخْتَرْت تَمَلُّكَهَا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِقَوْلِهِ، وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا؛ لِأَنَّ هَذَا تَمَلُّكٌ بِعِوَضِ؛ فَلَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْمُتَمَلِّكِ، كَالشِّرَاءِ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكَ» . وَقَوْلُهُ: " فَاسْتَنْفِقْهَا ". وَلَوْ وَقَفَ مِلْكُهَا عَلَى تَمَلُّكِهَا لَبَيَّنَهُ لَهُ، وَلَمْ يُجَوِّزْ لَهُ التَّصَرُّفَ قَبْلَهُ. وَفِي لَفْظٍ: " فَهِيَ لَك ". وَفِي لَفْظٍ: " كُلْهَا ". وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلّهَا تَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا
وَلِأَنَّ الِالْتِقَاطَ وَالتَّعْرِيفَ سَبَبٌ لِلتَّمَلُّكِ، فَإِذَا تَمَّ وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ الْمِلْكُ حُكْمًا، كَالْإِحْيَاءِ وَالِاصْطِيَادِ. وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يُمْلَكُ بِهِ، فَلَمْ يَقِفْ الْمِلْكُ بَعْدَهُ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَا اخْتِيَارِهِ، كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ لَيْسَ إلَيْهِ إلَّا مُبَاشَرَةُ الْأَسْبَابِ، فَإِذَا أَتَى بِهَا، ثَبَتَ الْحُكْمُ قَهْرًا وَجَبْرًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، غَيْرَ مَوْقُوفٍ عَلَى اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ. وَأَمَّا الِاقْتِرَاضُ فَهُوَ السَّبَبُ فِي نَفْسِهِ، فَلَمْ يَثْبُت الْمِلْكُ بِدُونِهِ.
[فَصْلٌ الْتَقَطَهَا اثْنَانِ فَعَرَّفَاهَا حَوْلًا]
(٤٥٠٥) فَصْلٌ: فَإِنْ الْتَقَطَهَا اثْنَانِ، فَعَرَّفَاهَا حَوْلًا، مَلَكَاهَا جَمِيعًا. وَإِنْ قُلْنَا بِوُقُوفِ الْمِلْكِ عَلَى الِاخْتِيَارِ، فَاخْتَارَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، مَلَكَ الْمُخْتَارُ نِصْفَهَا دُونَ الْآخَر. وَإِنْ رَأَيَاهَا مَعًا، فَبَادَرَ أَحَدُهُمَا فَأَخَذَهَا، أَوْ رَآهَا أَحَدُهُمَا، فَأَعْلَمَ بِهَا صَاحِبَهُ، فَأَخَذَهَا، فَهِيَ لِآخِذِهَا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ اللُّقَطَةِ بِالْأَخْذِ لَا بِالرُّؤْيَةِ، كَالِاصْطِيَادِ. وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute