[فَصْلٌ امْتَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ مِنْ الْيَمِين]
(٧٠٢٦) فَصْلٌ: وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ مِنْ الْيَمِينِ، لَمْ يُحْبَسُوا حَتَّى يَحْلِفُوا. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُمْ يُحْبَسُونَ حَتَّى يَحْلِفُوا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلَنَا، أَنَّهَا يَمِينٌ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يُحْبَسْ عَلَيْهَا، كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ، فَلَا يُشَاطُ بِهَا الدَّمُ، كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. قَالَ الْقَاضِي: وَيَدِيهِ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَرَوَى عَنْهُ حَرْبُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ عَلَيْهِمْ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالنُّكُولِ، فَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ هَاهُنَا، كَسَائِرِ الدَّعَاوَى، وَلِأَنَّ وُجُوبَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، يُفْضِي إلَى إهْدَارِ الدَّمِ، وَإِسْقَاطِ حَقِّ الْمُدَّعِينَ، مَعَ إمْكَانِ جَبْرِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَسَائِرِ الدَّعَاوَى، وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ تَوَجَّهَتْ فِي دَعْوَى أَمْكَنَ إيجَابُ الْمَالِ بِهَا، فَلَمْ تَخْلُ مِنْ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، وَهَا هُنَا لَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَالٌ بِنُكُولِهِ، وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْيَمِينِ؛ لَخَلَا مِنْ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَيْهِ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعِينَ، إنْ قُلْنَا: مُوجَبُهَا الْمَالُ. فَإِنْ حَلَفُوا، اسْتَحَقُّوا، وَإِنْ نَكَلُوا، فَلَا شَيْءَ لَهُمْ. وَإِنْ قُلْنَا: مُوجَبُهَا الْقِصَاصُ. فَهَلْ تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِينَ؟ فِيهِ قَوْلَانِ. وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا شُرِعَتْ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ عَنْهَا الْمُدَّعِي، فَلَا تُرَدُّ عَلَيْهِ، كَمَا لَا تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْهَا بَعْدَ رَدِّهَا عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، وَلِأَنَّهَا يَمِينٌ مَرْدُودَةٌ عَلَى أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، فَلَا تُرَدُّ عَلَى مَنْ رَدَّهَا، كَدَعْوَى الْمَالِ.
[مَسْأَلَةٌ شَهِدَتْ الْبَيِّنَة الْعَادِلَة أَنَّ الْمَجْرُوح قَالَ دَمِي عِنْد فُلَان]
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَإِذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَنَّ الْمَجْرُوحَ قَالَ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ. فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُوجِبٍ لِلْقَسَامَةِ، مَا لَمْ يَكُنْ لَوْثٌ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْم؛ مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ: هُوَ لَوْثٌ؛ لِأَنَّ قَتِيلَ بَنِي إسْرَائِيلَ قَالَ: قَتَلَنِي فُلَانٌ. فَكَانَ حُجَّةً. وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى قَوْمُ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ» وَلِأَنَّهُ يَدَّعِي حَقًّا لِنَفْسِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَمُتْ؛ وَلِأَنَّهُ خَصْمٌ، فَلَمْ تَكُنْ دَعْوَاهُ لَوْثًا، كَالْوَلِيِّ.
فَأَمَّا قَتِيلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute