وَلَنَا، أَنَّهَا رِدَّةٌ طَارِئَةٌ عَلَى النِّكَاحِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا فَسْخُهُ، كَمَا لَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا زَالَ عَنْهُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ إذَا ارْتَدَّ وَحْدَهُ، زَالَ إذَا ارْتَدَّ غَيْرُهُ مَعَهُ، كَمَالِهِ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِمَا إذَا انْتَقَلَ الْمُسْلِمُ وَالْيَهُودِيَّةُ إلَى دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، فَإِنَّ نِكَاحَهُمَا يَنْفَسِخُ، وَقَدْ انْتَقَلَا إلَى دِينٍ وَاحِدٍ
وَأَمَّا إذَا أَسْلَمَا، فَقَدْ انْتَقِلَا إلَى دِينِ الْحَقِّ، وَيُقَرَّانِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الرِّدَّةِ.
[فَصْلٌ ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ أَوْ ارْتَدَّا مَعًا]
(٥٤٨١) فَصْلٌ: إذَا ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ ارْتَدَّا مَعًا، مُنِعَ وَطْؤُهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا فِي عِدَّتِهَا، وَقُلْنَا: إنَّ الْفُرْقَةَ تَعَجَّلَتْ. فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا لِهَذَا الْوَطْءِ، مَعَ الَّذِي يَثْبُتْ عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً، فَيَكُونُ عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الْفُرْقَةَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. فَأَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا، أَوْ أَسْلَمَا جَمِيعًا فِي عِدَّتِهَا، وَكَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْهُمَا، فَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَطْءِ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَزُلْ، وَأَنَّهُ وَطِئَهَا وَهِيَ زَوْجَتُهُ. وَإِنْ ثَبَتَا، أَوْ ثَبَتَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا عَلَى الرِّدَّةِ، حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ لِهَذَا الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ نِكَاحٍ يُشْبِهُ النِّكَاحَ، لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ مُنْذُ اخْتَلَفَ الدِّينَانِ
وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ إسْلَامِ الْآخَرِ، فَالْحُكْمُ فِيهِ مِثْلُ الْحُكْمِ هَاهُنَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّعْلِيلِ فِيهِ.
[فَصْلٌ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ثُمَّ ارْتَدَّ]
(٥٤٨٢) فَصْلٌ: وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، ثُمَّ ارْتَدَّ، نَظَرْت؛ فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ الْآخَرُ فِي الْعِدَّةِ، تَبَيَّنَّا أَنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ كَانَ مُنْذُ اخْتَلَفَ الدِّينَانِ، وَعِدَّتُهَا مِنْ حِينَ أَسْلَمَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا، وَإِنْ أَسْلَمَ الْأُخَرُ مِنْهُمَا فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ ارْتِدَادِ الْأَوَّلِ، اُعْتُبِرَ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ حِينَ ارْتَدَّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ اخْتِلَافِ الدِّينِ بِإِسْلَامِ الْأَوَّلِ زَالَ بِإِسْلَامِ الثَّانِي فِي الْعِدَّةِ
وَلَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، ثُمَّ ارْتَدَّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْعَقْدَ عَلَيْهِنَّ فِي هَذِهِ الْحَالِ. وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَدَدْنَ دُونَهُ أَوْ مَعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ لِذَلِكَ.
[فَصْلٌ تَزَوَّجَ الْكَافِرُ بِمَنْ لَا يُقَرُّ عَلَى نِكَاحِهِ فِي الْإِسْلَامِ]
(٥٤٨٣) فَصْلٌ: وَإِذَا تَزَوَّجَ الْكَافِرُ بِمَنْ لَا يُقَرُّ عَلَى نِكَاحِهِ فِي الْإِسْلَامِ، مِثْلُ أَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، أَوْ بَيْنَ عَشْرِ نِسْوَةٍ، أَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً أَوْ مُرْتَدَّةً، ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَسْلَمَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا؛ لِأَنَّنَا أَجْرَيْنَا أَحْكَامَهُمْ عَلَى الصِّحَّةِ فِيمَا يَعْتَقِدُونَهُ فِي النِّكَاحِ، فَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ، وَلِهَذَا جَازَ لَهُ إمْسَاكُ الثَّانِيَةِ مِنْ الْأُخْتَيْنِ، وَالْخَامِسَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا آخِرًا.