للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسَمَّى مَالًا، فَحَنِثَ بِهِ، كَالزَّكَوِيِّ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} [الذاريات: ١٩] . فَالْحَقُّ هَاهُنَا غَيْرُ الزَّكَاةِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، نَزَلَتْ قَبْلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا فُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ الْحَقُّ الزَّكَاةَ، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا، فَإِنَّ الْحَقَّ إذَا كَانَ فِي بَعْضِ الْمَالِ، فَهُوَ فِي الْمَالِ، كَمَا أَنَّ مَنْ هُوَ فِي بَيْتٍ مِنْ دَارٍ، أَوْ فِي بَلْدَةٍ، فَهُوَ فِي الدَّارِ وَالْبَلْدَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: ٢٢] . وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ أَقْطَارِهَا. ثُمَّ لَوْ اقْتَضَى هَذَا الْعُمُومَ، لَوَجَبَ تَخْصِيصُهُ، فَإِنَّ مَا دُونَ النِّصَابِ مَالٌ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ.

فَإِنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهُ دَيْنٌ، حَنِثَ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ حَوْلُ الزَّكَاةِ، وَيَصِحُّ إخْرَاجُهَا عَنْهُ، وَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْإِبْرَاءِ، وَالْحَوَالَةِ، وَالْمُعَاوَضَةِ عَنْهُ لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، وَالتَّوْكِيلِ فِي اسْتِيفَائِهِ، فَيَحْنَثُ بِهِ، كَالْمُودَعِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مَغْصُوبٌ، حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ضَائِعٌ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى مِلْكِهِ.

وَالثَّانِي، لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بَقَاؤُهُ. وَإِنْ ضَاعَ عَلَى وَجْهٍ قَدْ يَئِسَ مِنْ عَوْدِهِ، كَاَلَّذِي يَسْقُطُ فِي بَحْرٍ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ مَالِهِ، كَالْمَجْحُودِ، وَالْمَغْصُوبِ، وَاَلَّذِي عَلَى غَيْرِ مَلِيءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَعْدُومِ، فِي جَوَازِ الْأَخْذِ مِنْ الزَّكَاةِ، وَانْتِفَاءِ وُجُوبِ أَدَائِهَا عَلَيْهِ عَنْهُ. وَإِنْ تَزَوَّجَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ مَا يَمْلِكُهُ لَيْسَ بِمَالٍ. وَإِنْ وَجَبَ لَهُ حَقُّ شُفْعَةٍ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْمِلْكُ بِهِ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَالِكًا لِمَالٍ.

[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ لَا يَأْكُل لَحْمًا فَأَكَلَ الشَّحْمَ أَوْ الْمُخَّ أَوْ الدِّمَاغِ]

(٨١٤٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، فَأَكَلَ الشَّحْمَ، أَوْ الْمُخَّ، أَوْ الدِّمَاغَ، لَمْ يَحْنَثْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ اجْتِنَابَ الدَّسَمِ، فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ الشَّحْمِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْحَالِفَ عَلَى تَرْكِ أَكْلِ اللَّحْمِ، لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ مَا لَيْسَ بِلَحْمٍ، مِنْ الشَّحْمِ وَالْمُخِّ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْعِظَامِ، وَالدِّمَاغِ، وَهُوَ الَّذِي فِي الرَّأْسِ فِي قِحْفِهِ، وَلَا الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ، وَالرِّئَةِ، وَالْقَلْبِ، وَالْكَرِشِ، وَالْمُصْرَانِ، وَالْقَانِصَةِ، وَنَحْوِهَا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ هَذَا كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً، وَيُتَّخَذُ مِنْهُ مَا يُتَّخَذُ مِنْ اللَّحْمِ، فَأَشْبَهَ لَحْمَ الْفَخِذِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>