يُسَمَّى نَبْلًا. فَإِنْ عَيَّنَ نَوْعًا مِنْ الْقِسِيِّ، لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ أَحْذَقَ بِالرَّمْيِ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ دُونَ الْآخَرِ. وَإِنْ عَيَّنَا قَوْسًا بِعَيْنِهَا، لَمْ تَتَعَيَّنْ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَنْكَسِرُ، وَيُحْتَاجُ إلَى إبْدَالِهَا؛ لِأَنَّ الْحِذْقَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عَيْنِ الْقَوْسِ، بِخِلَافِ النَّوْعِ.
وَإِنْ تَنَاضَلَا عَلَى أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَالْآخَرُ بِالْفَارِسِيَّةِ، أَوْ أَحَدُهُمَا بِقَوْسِ الزُّنْبُورِ، وَالْآخَرُ بِقَوْسِ الْجَرْخِ، أَوْ قَوْسِ الْحُسْبَانِ، وَهُوَ قَوْسٌ سِهَامُهُ قِصَارٌ، يُجْعَلُ فِي مَجْرًى مِثْلِ الْقَصَبَةِ، ثُمَّ يَرْمِي بِهَا، فَفِيهَا وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَصِحُّ. وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا نَوْعَا جِنْسٍ، فَصَحَّتْ الْمُسَابَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا، كَالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ. وَالثَّانِي، لَا تَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْإِصَابَةِ، فَجَرَى مَجْرَى الْمُسَابَقَةِ بَيْنَ جِنْسَيْنِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُسَابَقَةِ بَيْنَ نَوْعَيْ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ.
[فَصْلٌ الرَّمْيِ بِالْقَوْسِ الْفَارِسِيَّةِ]
(٧٩٣٨) فَصْلٌ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ إبَاحَةُ الرَّمْيِ بِالْقَوْسِ الْفَارِسِيَّةِ. وَنَصَّ عَلَى جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ بِهَا، وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ جَعْفَرٍ: يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ رَأَى مَعَ رَجُلٍ قَوْسًا فَارِسِيَّةً، فَقَالَ: أَلْقِهَا، فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْقِسِيِّ الْعَرَبِيَّةِ، وَبِرِمَاحِ الْقَنَا، فَبِهَا يُؤَيِّدُ اللَّهُ الدِّينَ، وَبِهَا يُمَكِّنُ اللَّهُ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ» . رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.
وَلَنَا، انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ عَلَى الرَّمْيِ بِهَا، وَإِبَاحَةِ حَمْلِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ جَازَ فِي أَكْثَرِ الْأَعْصَارِ، وَهِيَ الَّتِي يَحْصُلُ الْجِهَادُ بِهَا فِي عَصْرِنَا وَأَكْثَرِ الْأَعْصَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَأَمَّا الْخَبَرُ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَعَنَهَا لِأَنَّ حَمَلَتَهَا فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ الْعَجَمُ، وَلَمْ يَكُونُوا أَسْلَمُوا بَعْدُ، وَمَنَعَ الْعَرَبَ مِنْ حَمْلِهَا لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِهَا، وَلِهَذَا أَمَرَ بِرِمَاحِ الْقَنَا، وَلَوْ حَمَلَ إنْسَانٌ رُمْحًا غَيْرَهَا لَمْ يَكُنْ مَذْمُومًا. وَحَكَى أَحْمَدُ، أَنَّ قَوْمًا اسْتَدَلُّوا عَلَى الْقِسِيِّ الْفَارِسِيَّةِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: ٦٠] . يَعْنِي أَنَّ هَذَا مِمَّا اسْتَطَاعَهُ مِنْ الْقُوَّةِ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ.
[مَسْأَلَةٌ الْجُنُبُ فِي السَّبَقِ]
(٧٩٣٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ إذَا أُرْسِلَ الْفُرْسَانُ أَنْ يُجَنِّبَ أَحَدُهُمَا إلَى فَرَسِهِ فَرَسًا، يُحَرِّضُهُ عَلَى الْعَدْوِ، وَلَا يَصِيحُ بِهِ وَقْتَ سِبَاقِهِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا جَنَبَ وَلَا جَلَبَ» ) مَعْنَى الْجَنَبِ، أَنْ يُجَنِّبَ الْمُسَابِقُ إلَى فَرَسِهِ فَرَسًا لَا رَاكِبَ عَلَيْهِ، يُحَرِّضُ الَّذِي تَحْتَهُ عَلَى الْعَدْوِ، وَيَحُثُّهُ عَلَيْهِ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ أَنْ يُجَنِّبَ فَرَسًا يَتَحَوَّلُ عِنْدَ الْغَايَةِ عَلَيْهِ؛ لِكَوْنِهَا أَقَلَّ كَلَالًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute