جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، فَصَحَّ فِي الْمَرَضِ، كَالْبَيْعِ. وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. ثُمَّ إذَا خَالَعَتْهُ الْمَرِيضَةُ بِمِيرَاثِهِ مِنْهَا فَمَا دُونَهُ، صَحَّ، وَلَا رُجُوعَ، إنْ خَالَعَتْهُ بِزِيَادَةٍ، بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ. وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ الْعِوَضُ كُلُّهُ، فَإِنْ حَابَتْهُ فَمِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ لَهَا، فَصَحَّتْ مُحَابَاتُهَا لَهُ مِنْ الثُّلُثِ، كَالْأَجْنَبِيِّ. وَعَنْ مَالِكٍ كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ بِخُلْعِ مِثْلِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ خَالَعَتْ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، جَازَ، وَإِنْ زَادَ، فَالزِّيَادَةُ مِنْ الثُّلُثِ.
وَلَنَا، عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مَهْرُ الْمِثْلِ، أَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ بِمَا قَدَّمْنَا، وَاعْتِبَارُ مَهْرِ الْمِثْلِ تَقْوِيمٌ لَهُ. وَعَلَى إبْطَالِ الزِّيَادَةِ، أَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي أَنَّهَا قَصَدَتْ الْخُلْعَ لِتُوَصِّلَ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ، عَلَى وَجْهٍ لَمْ تَكُنْ قَادِرَةً عَلَيْهِ وَهُوَ وَارِثٌ لَهَا، فَبَطَلَ، كَمَا لَوْ أَوْصَتْ لَهُ، أَوْ أَقَرَّتْ لَهُ، وَأَمَّا قَدْرُ الْمِيرَاثِ، فَلَا تُهْمَةَ فِيهِ، فَإِنَّهَا لَوْ لَمْ تُخَالِعْهُ لَوَرِثَ مِيرَاثَهُ. وَإِنْ صَحَّتْ مِنْ مَرَضِهَا ذَلِكَ، صَحَّ الْخُلْعُ، وَلَهُ جَمِيعُ مَا خَالَعَهَا بِهِ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ، وَالْخُلْعُ فِي غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ، كَالْخُلْعِ فِي الصِّحَّةِ.
[مَسْأَلَةٌ خَالَعَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَأَوْصَى لَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ تَرِثُ]
(٥٨٠٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَوْ خَالَعَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَأَوْصَى لَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ تَرِثُ، فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ لَا يُعْطُوهَا أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهَا) أَمَّا خُلْعَهُ لُزُوجَتِهِ، فَلَا إشْكَالَ فِي صِحَّتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ، وَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَصَحَّ، فَلَأَنْ يَصِحَّ بِعِوَضٍ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَفُوتُهُمْ بِخُلْعِهِ شَيْءٌ، فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَلَهُ امْرَأَةٌ، لَبَانَتْ بِمَوْتِهِ، وَلَمْ تَنْتَقِلْ إلَى وَرَثَتِهِ. فَأَمَّا إنْ أَوْصَى لَهَا بِمِثْلِ مِيرَاثِهَا، أَوْ أَقَلَّ، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي أَنَّهُ أَبَانَهَا لِيُعْطِيَهَا ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُبِنْهَا لَأَخَذَتْهُ بِمِيرَاثِهَا. وَإِنْ أَوْصَى لَهَا بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ، فَلِلْوَرَثَةِ مَنْعُهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اُتُّهِمَ فِي أَنَّهُ قَصَدَ إيصَالَ ذَلِكَ إلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ إلَى إيصَالِهِ إلَيْهَا وَهِيَ فِي حِبَالِهِ، فَطَلَّقَهَا لِيُوصِلَ ذَلِكَ إلَيْهَا، فَمُنِعَ مِنْهُ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لَوَارِثٍ.
[فَصْل خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا]
(٥٨٠٨) فَصْلٌ: وَإِذَا خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا، فَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ وَهَذَا إنَّمَا يُخَرَّجُ عَلَى أَصْلِ أَحْمَدَ إذَا كَانَتْ حَامِلًا، أَمَّا غَيْرُ الْحَامِلِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ، فَلَا تَصِحُّ عِوَضًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ النَّفَقَةُ عِوَضًا، فَإِنْ خَالَعَهَا بِهِ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَجِبْ، فَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى عِوَضِ مَا يُتْلِفُهُ عَلَيْهَا. وَلَنَا، أَنَّهَا إحْدَى النَّفَقَتَيْنِ، فَصَحَّتْ الْمُخَالَعَةُ عَلَيْهَا، كَنَفَقَةِ الصَّبِيِّ فِيمَا إذَا خَالَعَتْهُ عَلَى كَفَالَةِ وَلَدِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute