وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: وَلِلسَّيِّدِ وَطْؤُهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْغُرَمَاءِ. وَأَصِلُ الْخِلَافِ يَنْبَنِي عَلَى دَيْنِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، فَعِنْدَنَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ، فَلَا يَلْحَقُ الْغُرَمَاءَ ضَرَرٌ بِتَصَرُّفِ السَّيِّدِ فِي الْأَمَةِ، فَإِنَّ الدِّينَ مَا تَعَلَّقَ بِهَا، وَعِنْدَهُ أَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِالْعَبْدِ وَبِمَا فِي يَدِهِ، فَيَلْحَقُهُمْ الضَّرَرُ. وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ.
[فَصْلٌ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ إكْرَاهُ أَمَتِهِ عَلَى التَّزْوِيج بِمَعِيبِ عَيْبًا يُرَدُّ بِهِ]
(٥٢٣٠) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ إكْرَاهَ أَمَتِهِ عَلَى التَّزْوِيجِ بِمَعِيبٍ عَيْبًا يُرَدُّ بِهِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ، وَذَلِكَ حَقٌّ لَهَا، وَلِذَلِكَ مَلَكَتْ الْفَسْخَ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ الْعَبْدِ دُونَ السَّيِّدِ. وَفَارَقَ بَيْعَهَا مِنْ مَعِيبٍ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ لِلِاسْتِمْتَاعِ، وَلِهَذَا مَلَكَ شِرَاءَ الْأَمَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَلَمْ تَمْلِكْ الْأَمَةُ الْفَسْخَ لِعَيْبِهِ وَلَا عُنَّتِهِ وَلَا إيلَائِهِ وَإِنْ زَوَّجَهَا مِنْ مَعِيبٍ فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ فَإِنْ قُلْنَا يَصِحُّ. فَلَهَا الْفَسْخُ. وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَهَلْ لَهُ الْفَسْخُ فِي الْحَالِ أَوْ يَنْتَظِرُ بُلُوغَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ هَكَذَا فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلِّهِ.
[زَوَّجَ عَبْدَهُ وَهُوَ كَارِهٌ]
(٥٢٣١) قَالَ: وَمَنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ وَهُوَ كَارِهٌ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلَيْنِ: (٥٢٣٢) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ إجْبَارَ عَبْدِهِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ عَلَى النِّكَاحِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَهُ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} [النور: ٣٢] ؛ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ فَمَلَكَ إجْبَارَهُ عَلَى النِّكَاحِ كَالْأَمَةِ؛ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ إجَارَتَهُ فَأَشْبَهَ الْأَمَةَ، وَلَنَا أَنَّهُ مُكَلَّفٌ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى النِّكَاحِ كَالْحُرِّ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ خَالِصُ حَقِّهِ وَنَفْعُهُ لَهُ فَأَشْبَهَ الْحُرَّ، وَالْأَمْرُ بِإِنْكَاحِهِ مُخْتَصٌّ بِحَالِ طَلَبِهِ بِدَلِيلِ عَطْفِهِ عَلَى الْأَيَامَى وَإِنَّمَا يُزَوَّجْنَ عِنْدَ الطَّلَبِ. وَمُقْتَضَى الْأَمْرِ الْوُجُوبُ وَإِنَّمَا يَجِبُ تَزْوِيجُهُ عِنْدَ طَلَبِهِ.
وَأَمَّا الْأَمَةُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ مَنَافِعَ بُضْعِهَا وَالِاسْتِمْتَاعَ بِهَا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ. وَيُفَارِقُ النِّكَاحُ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعِ بَدَنِهِ، وَهُوَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهَا. .
[الْعَبْدُ الصَّغِيرُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ لِلسَّيِّدِ تَزْوِيجُهُ]
(٥٢٣٣) الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي الْعَبْدِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ، فَلِلسَّيِّدِ تَزْوِيجُهُ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ يُحْتَمَلُ أَلَّا يَمْلِكَ تَزْوِيجَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute