وَإِحْدَاهُمَا، لَيْسَ لَهُ قَطْعُ الطَّرَفِ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مَا جَنَاهُ الْأَوَّلُ، وَالْقِصَاصُ يَعْتَمِدُ الْمُمَاثَلَةَ، فَمَتَى خِيفَ فِيهِ الزِّيَادَةُ سَقَطَ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ نِصْفِ الذِّرَاعِ. وَالثَّانِيَةُ، يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ، فَإِنْ مَاتَ بِهِ، وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ.
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ، أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الطَّرَفِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَخْرِيجُهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ؛ لِإِفْضَاءِ هَذَا إلَى الزِّيَادَةِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ. وَالصَّحِيحُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَيْسَ هَذَا بِزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ النَّفْسِ بِسِرَايَةِ فِعْلِهِ، وَسِرَايَةُ فِعْلِهِ كَفِعْلِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ، وَلِأَنَّ زِيَادَةَ الْفِعْلِ فِي الصُّورَةِ مُحْتَمِلٌ فِي الِاسْتِيفَاءِ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِضَرْبَةٍ، فَلَمْ يُمْكِنْ قَتْلُهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ إلَّا بِضَرْبَتَيْنِ.
[فَصْلٌ جَرَحَهُ جُرْحًا لَا قِصَاصَ فِيهِ]
(٦٦٥٢) فَصْلٌ: وَإِنْ جَرَحَهُ جُرْحًا لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُ فَوَاتِ الْحَيَاةِ بِهِ، مِثْلُ إنْ أَجَافَهُ، أَوْ أَمَّهُ، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ نِصْفِ ذِرَاعِهِ، أَوْ رِجْلَهُ مِنْ نِصْفِ سَاقِهِ، فَمَاتَ مِنْهُ، أَوْ قَطَعَ يَدًا نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ، أَوْ شَلَّاءَ، أَوْ زَائِدَةً، وَيَدُ الْقَاطِعِ أَصْلِيَّةٌ صَحِيحَةٌ، فَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِعْلُ مِثْلِ مَا فَعَلَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ إلَّا فِي الْعُنُقِ بِالسَّيْفِ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ بِمِثْلِ مَا فَعَلَهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَتْلًا، فَكَانَ لَهُ الْقِصَاصُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ، كَمَا لَوْ رَضَّ رَأْسَهُ بِحَجَرٍ فَقَتَلَهُ بِهِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَوْ انْفَرَدَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِصَاصٌ، فَلَمْ يَجُزْ الْقِصَاصُ فِيهِ مَعَ الْقَتْلِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَمِينَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَاطِعِ يَمِينٌ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ يَسَاره.
وَفَارَقَ مَا إذَا رَضَّ رَأْسَهُ فَمَاتَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ قَتْلٌ مُفْرَدٌ، وَهَا هُنَا قَتْلٌ وَقَطْعٌ، وَالْقَطْعُ لَا يُوجِبُ قِصَاصًا، فَبَقِيَ مُجَرَّدُ الْقَتْلِ، فَإِذَا جَمَعَ الْمُسْتَوْفِي بَيْنَهُمَا، فَقَدْ زَادَ قَطْعًا لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِاسْتِيفَائِهِ، فَيَكُونُ حَرَامًا، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مَا إذَا قَطَعَ ثُمَّ قَتَلَ عَقِيبَهُ، وَبَيْنَ مَا إذَا قَطَعَ فَسَرَى إلَى النَّفْسِ.
[فَصْلٌ قَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى وَلَا يُمْنَى لِلْقَاطِعِ]
فَصْلٌ: فَأَمَّا قَطْعُ الْيُمْنَى وَلَا يُمْنَى لِلْقَاطِعِ، أَوْ الْيَدَ وَلَا يَدَ لَهُ، أَوْ قَلَعَ الْعَيْنَ وَلَا عَيْنَ لَهُ، فَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ فِي الْعُنُقِ، وَلَا قِصَاصَ فِي طَرَفِهِ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ مِثْلِ الْعُضْوِ الْمُتْلَفِ، وَهُوَ هَاهُنَا مَعْدُومٌ، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ فِعْلُ مِثْلِ مَا فَعَلَ الْجَانِي، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْقَتْلِ، لَصَارَ مُسْتَوْفِيًا رِجْلًا مِمَّنْ لَمْ يَقْطَعْ لَهُ مِثْلَهَا، أَوْ أُذُنًا بَدَلًا عَنْ عَيْنٍ، وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْوَجْهِ الثَّانِي فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute