للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي الزِّنَادِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِدَادَ بِالْأَشْهُرِ جُعِلَ بَعْدَ الْإِيَاسِ، فَلَمْ يَجُزْ قَبْلَهُ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ آيِسَةً، وَلِأَنَّهَا تَرْجُو عَوْدَ الدَّمِ، فَلَمْ تَعْتَدَّ بِالشُّهُورِ، كَمَا لَوْ تَبَاعَدَ حَيْضُهَا لِعَارِضٍ وَلَنَا الْإِجْمَاعُ الَّذِي حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ بِالِاعْتِدَادِ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا، وَهَذَا تَحْصُلُ بِهِ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا، فَاكْتُفِيَ بِهِ، وَلِهَذَا اكْتَفِي فِي حَقِّ ذَاتِ الْقُرْءِ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَفِي حَقِّ الْآيِسَةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَوْ رُوعِيَ الْيَقِينُ، لَاعْتُبِرَ أَقْصَى مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَلِأَنَّ عَلَيْهَا فِي تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ ضَرَرًا، فَإِنَّهَا تُمْنَعُ مِنْ الْأَزْوَاجِ، وَتُحْبَسُ دَائِمًا، وَيَتَضَرَّرُ الزَّوْجُ بِإِيجَابِ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تُطَوِّلُوا عَلَيْهَا الشُّقَّةَ، كَفَاهَا تِسْعَةُ أَشْهُرٍ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا مَضَتْ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ، فَقَدْ عُلِمَ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا ظَاهِرًا، فَلِمَ اعْتَبَرْتُمْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ بَعْدَهَا؟ قُلْنَا: الِاعْتِدَادُ بِالْقُرُوءِ وَالْأَشْهُرِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَمْلِ، وَقَدْ تَجِبُ الْعِدَّةُ مَعَ الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَوَضَعَتْهُ، وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ.

[فَصْل عَادَ الْحَيْضُ إلَيْهَا فِي السَّنَةِ وَلَوْ فِي آخِرهَا]

(٦٣٢٠) فَصْلٌ: فَإِنْ عَادَ الْحَيْضُ إلَيْهَا فِي السَّنَةِ، وَلَوْ فِي آخِرهَا، لَزِمَهَا الِانْتِقَالُ إلَى الْقُرُوءِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، فَبَطَلِ بِهَا حُكْمُ الْبَدَلِ. وَإِنْ عَادَ بَعْدَ مُضِيِّهَا وَنِكَاحِهَا، لَمْ تَعُدْ إلَى الْقُرُوءِ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ وَحَكَمْنَا بِصِحَّةِ نِكَاحِهَا، فَلَمْ تَبْطُلْ، كَمَا لَوْ اعْتَدَّتْ الصَّغِيرَةُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَتَزَوَّجَتْ، ثُمَّ حَاضَتْ. وَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ السَّنَةِ، وَقَبْلَ نِكَاحهَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، لَا تَعُودُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ انْقَضَتْ بِالشُّهُورِ، فَلَمْ تَعُدْ، كَالصَّغِيرَةِ. وَالثَّانِي، تَعُودُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْقُرُوءِ، وَقَدْ قَدَرَتْ عَلَى الْمُبْدَلِ قَبْلَ تَعَلُّقِ حَقِّ زَوْجٍ بِهَا، فَلَزِمَهَا الْعَوْدُ، كَمَا لَوْ حَاضَتْ فِي السَّنَةِ.

[مَسْأَلَة عِدَّة الْأَمَة إذَا وَجَدَ حَمَلَ أَوْ لَمْ يُوجَدْ]

(٦٣٢١) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، اعْتَدَّتْ بِأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لِلْحَمْلِ، وَشَهْرَانِ لِلْعِدَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّ الْحُرَّةَ تَعْتَدُّ بِسَنَةٍ إذَا ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ. الثَّانِي أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ الْآيِسَةِ شَهْرَانِ، فَتَتَرَبَّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ تَتَسَاوَى فِيهَا الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ، لِكَوْنِهِ أَمْرًا حَقِيقِيًّا، فَإِذَا يَئِسَتْ مِنْ الْحَمْلِ، اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْآيِسَةِ شَهْرَيْنِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي جَعَلَ عِدَّتَهَا شَهْرًا وَنِصْفًا، تَكُونُ عِدَّتُهَا عَشَرَةَ أَشْهُرٍ وَنِصْفًا. وَمَنْ جَعَلَهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، فَعِدَّتُهَا سَنَةٌ كَالْحُرَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>