[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]
ِ. الْأَصْلُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] . الْمَشْهُورُ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ صَلَاةُ الْعِيدِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «شَهِدْتُ صَلَاةَ الْفِطْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ.» وَعَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْعِيدَ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ. وَصَلَاةُ الْعِيدِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، إذَا قَامَ بِهَا مَنْ يَكْفِي سَقَطَتْ عَنْ الْبَاقِينَ، وَإِنْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهَا قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ. وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَلَيْسَتْ فَرْضًا، لِأَنَّهَا صَلَاةٌ شُرِعَتْ لَهَا الْخُطْبَةُ، فَكَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى الْأَعْيَانِ، وَلَيْسَتْ فَرْضًا. كَالْجُمُعَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: قِيلَ إنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ «لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ ذَكَرَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ.» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ.» الْحَدِيثَ.
وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ ذَاتُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ لَمْ يُشْرَعْ لَهَا أَذَانٌ، فَلَمْ تَجِبْ ابْتِدَاءً بِالشَّرْعِ، كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا امْتَنَعَ جَمِيعُ النَّاسِ مِنْ فِعْلِهَا قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ عَلَيْهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُقَاتِلُهُمْ. وَلَنَا، عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْأَعْيَانِ أَنَّهَا لَا يُشْرَعُ لَهَا الْأَذَانُ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَى الْأَعْيَانِ، كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَلِأَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ يَقْتَضِي نَفْيَ وُجُوبِ صَلَاةٍ سِوَى الْخَمْسِ، وَإِنَّمَا خُولِفَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ صَلَّى مَعَهُ، فَيَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ، وَلِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَى الْأَعْيَانِ لَوَجَبَتْ خُطْبَتُهَا، وَوَجَبَ اسْتِمَاعُهَا كَالْجُمُعَةِ.
وَلَنَا، عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْجُمْلَةِ، أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا، بِقَوْلِهِ {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَمُدَاوَمَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فِعْلِهَا، وَهَذَا دَلِيلُ الْوُجُوبِ. وَلِأَنَّهَا مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ الظَّاهِرَةِ، فَكَانَتْ وَاجِبَةً كَالْجُمُعَةِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَجِبْ لَمْ يَجِبْ قِتَالُ تَارِكِيهَا، كَسَائِرِ السُّنَنِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْقِتَالَ عُقُوبَةٌ لَا تَتَوَجَّهُ إلَى تَارِكِ مَنْدُوبٍ كَالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ. فَأَمَّا حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَعْرَابَ لَا تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ، لِعَدَمِ الِاسْتِيطَانِ، فَالْعِيدُ أَوْلَى.
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا صَرَّحَ بِوُجُوبِ الْخَمْسِ، وَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ، لِتَأْكِيدِهَا وَوُجُوبِهَا عَلَى الْأَعْيَانِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute