مِنْ التَّسْوِيَةِ، وَالرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ طَرِيقٌ فِي التَّسْوِيَةِ، وَرُبَّمَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا فِيهَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ إعْطَاءُ الْآخَرِ مِثْلَ عَطِيَّةِ الْأَوَّلِ.
وَلِأَنَّهَا لَمَّا دَخَلَتْ فِي الْمَعْنَى فِي حَدِيثِ بَشِيرِ بْنِ سَعْدِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَدْخُلَ فِي جَمِيعِ مَدْلُولِهِ؛ لِقَوْلِهِ: " فَارْدُدْهُ ". وَقَوْلِهِ: " فَأَرْجِعْهُ ". وَلِأَنَّهَا لَمَّا سَاوَتْ الْأَبَ فِي تَحْرِيمِ تَفْضِيلِ بَعْضِ وَلَدِهَا، يَنْبَغِي أَنْ تُسَاوِيَهُ فِي التَّمَكُّنِ مِنْ الرُّجُوعِ فِيمَا فَضَّلَهُ بِهِ، تَخْلِيصًا لَهَا مِنْ الْإِثْمِ، وَإِزَالَةً لِلتَّفْضِيلِ الْمُحَرَّمِ، كَالْأَبِ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا الرُّجُوعُ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الرُّجُوعُ لِلْمَرْأَةِ فِيمَا أَعْطَتْهُ وَلَدَهَا كَالرَّجُلِ؟ قَالَ: لَيْسَ هِيَ عِنْدِي فِي هَذَا كَالرَّجُلِ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ، وَالْأُمُّ لَا تَأْخُذُ
وَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ: «أَطْيَبُ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ» . أَيْ كَأَنَّهُ الرَّجُلُ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لَنَا، فَإِنَّهُ خَصَّ الْوَالِدَ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْأَبَ دُونَ الْأُمِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةً عَلَى وَلَدِهِ، وَيَحُوزُ جَمِيعَ الْمَالِ فِي الْمِيرَاثِ، وَالْأُمُّ بِخِلَافِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لِلْأُمِّ الرُّجُوعُ فِي هِبَةِ وَلَدِهَا مَا كَانَ أَبُوهُ حَيًّا، فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا، فَلَا رُجُوعَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ لِيَتِيمٍ وَهِبَةُ الْيَتِيمِ، لَازِمَةٌ، كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ.
[فَصْلٌ الْفَرْق بَيْنَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ]
(٤٤٦٦) فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَا بَيْنَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَفَرَّقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ بَيْنَهُمَا، فَلَمْ يُجِيزُوا الرُّجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ بِحَالٍ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عُمَرَ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً، وَأَرَادَ بِهَا صِلَةَ رَحِمٍ، أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ.
وَلَنَا، حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِصَدَقَةٍ. وَقَالَ: فَرَجَعَ أَبِي، فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ
وَأَيْضًا عُمُومُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» . وَهَذَا يُقَدَّمُ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ، ثُمَّ هُوَ خَاصٌّ فِي الْوَالِدِ، وَحَدِيثُ عُمَرَ عَامٌّ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْخَاصِّ.
[فَصْلٌ لِلرُّجُوعِ فِي هِبَةِ الْوَلَدِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ]
(٤٤٦٧) فَصْلٌ: وَلِلرُّجُوعِ فِي هِبَةِ الْوَلَدِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ بَاقِيَةً فِي مِلْكِ الِابْنِ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ، بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِمِلْكِ غَيْرِ الْوَالِدِ. وَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، كَبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ إرْثٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا عَادَتْ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ لَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، فَلَا يَمْلِكُ فَسْخَهُ وَإِزَالَتَهُ، كَاَلَّذِي لَمْ يَكُنْ مَوْهُوبًا لَهُ
وَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ بِفَسْخِ الْبَيْعِ، لِعَيْبٍ، أَوْ إقَالَةٍ أَوْ فَلَسِ الْمُشْتَرِي، فَفِيهِ وَجْهَانِ