تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦] وَلِأَنَّهَا مَحْكُومٌ لَهَا بِالنَّفَقَةِ، فَوَجَبَ دَفْعُهَا إلَيْهَا، كَالرَّجْعِيَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّ الْحَمْلَ يَثْبُتُ بِالْأَمَارَاتِ، وَتَثْبُتُ أَحْكَامُهُ فِي النِّكَاحِ، وَالْحَدِّ، وَالْقِصَاصِ، وَفَسْخِ الْبَيْعِ فِي الْجَارِيَةِ الْمَبِيعَةِ، وَالْمَنْعِ مِنْ الْأَخْذِ فِي الزَّكَاةِ، وَوُجُوبِ الدَّفْعِ فِي الدِّيَةِ، فَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْمِيرَاثَ؛ فَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْحَمْلِ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهُ الْوَضْعُ وَالِاسْتِهْلَالُ بَعْدَ الْوَضْعِ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ قَبْلَهُ، وَلِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ صِفَةَ الْحَمْلِ وَقَدْرَهُ وَوُجُودَ شَرْطِ تَوْرِيثِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْحَمْلِ، وَلَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَمَتَى ادَّعَتْ الْحَمْلَ فَصَدَّقَهَا، دَفَعَ إلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ حَمْلًا، فَقَدْ اسْتَوْفَتْ حَقَّهَا، وَإِنْ بَانَ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَامِلًا، رَجَعَ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ دَفَعَ إلَيْهَا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ شَرَطَ أَنَّهَا نَفَقَةٌ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ، وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ، فَإِذَا بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، اسْتَرْجَعَهُ، كَمَا لَوْ قَضَاهَا دَيْنًا، فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ
وَإِنْ أَنْكَرَ حَمْلهَا، نَظَرَ النِّسَاءُ الثِّقَاتُ، فَرُجِعَ إلَى قَوْلِهِنَّ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، أَشْبَهَ الرَّضَاعَ، وَقَدْ ثَبَتَ الْأَصْلُ بِالْخَبَرِ.
[فَصْلٌ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ]
(٦٥٣١) فَصْلٌ: وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا نِكَاحٌ صَحِيحٌ، فَإِنْ طَلَّقَهَا أَوْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْوَطْءِ، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْوَطْءِ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى، إنْ كَانَتْ حَائِلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ قَبْلَ التَّفْرِيقِ، فَبَعْدَهُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ؛ فَإِنْ قُلْنَا: لَهَا النَّفَقَةُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا ذَلِكَ قَبْلَ التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ بَعْدَ التَّفْرِيقِ، فَقَبْلَهُ أَوْلَى وَمَتَى أَنْفَقَ عَلَيْهَا قَبْلَ مُفَارَقَتِهَا أَوْ بَعْدَهَا، لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا فَهُوَ مُفَرِّطٌ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ، كَمَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَى أَجْنَبِيَّةٍ وَكُلُّ مُعْتَدَّةٍ مِنْ الْوَطْءِ فِي غَيْرِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، كَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةِ وَغَيْرِهَا، إنْ كَانَ يَلْحَقُ الْوَاطِئَ نَسَبُ وَلَدِهَا، فَهِيَ كَالْمَوْطُوءَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا، كَالزَّانِي، فَلَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا؛ لِأَنَّهُ لَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، وَلَا بَيْنَهُمَا وَلَدٌ يُنْسَبُ إلَيْهِ.
[مَسْأَلَةٌ خَالَعَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا وَأَبْرَأَتْهُ مِنْ حَمْلِهَا]
(٦٥٣٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا خَالَعَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا، وَأَبْرَأَتْهُ مِنْ حَمْلِهَا، لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ، وَلَا لِلْوَلَدِ، حَتَّى تَفْطِمَهُ) أَمَّا إذَا خَالَعَتْهُ وَلَمْ تُبْرِئْهُ مِنْ حَمْلِهَا، فَلَهَا النَّفَقَةُ، كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ حَامِلٌ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ وَلَدُهُ، فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَإِنْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ الْحَمْلِ عِوَضًا فِي الْخُلْعِ، صَحَّ، سَوَاءٌ كَانَ الْعِوَضُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْخُلْعِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute