للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّ فِيهَا جَمَالًا وَنَفْعًا، فَإِنَّهَا تَقِي الْعَيْنَيْنِ، وَتَرُدُّ عَنْهُمَا، وَتُحَسِّنُ الْعَيْنَ وَتُجَمِّلُهَا، فَوَجَبَتْ فِيهَا الدِّيَةُ كَالْأَجْفَانِ، فَإِنْ قَطَعَ الْأَجْفَانَ بِأَهْدَابِهَا، لَمْ يَجِبْ أَكْثَرُ مِنْ دِيَةٍ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ يَزُولُ تَبَعًا لِزَوَالِ الْأَجْفَانِ، فَلَمْ تُفْرَدْ بِضَمَانٍ، كَالْأَصَابِعِ إذَا قَطَعَ الْيَدَ وَهِيَ عَلَيْهَا.

[مَسْأَلَةٌ قَالَ دِيَة الْأُذُنَيْنِ]

(٦٩٠٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَمَالِكٌ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَقَالَ فِي الْأُخْرَى: فِيهِمَا حُكُومَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ فِيهِمَا بِتَقْدِيرٍ، وَلَا يَثْبُتُ التَّقْدِيرُ بِالْقِيَاسِ.

وَلَنَا، أَنَّ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «وَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ» . وَلِأَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا قَضَيَا فِيهِمَا بِالدِّيَةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى فِي الْأُذُنِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا. قُلْنَا: لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ. قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَلِأَنَّ مَا كَانَ فِي الْبَدَنِ مِنْهُ عُضْوَانِ، كَانَ فِيهِمَا الدِّيَةُ، كَالْيَدَيْنِ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ فِيهِمَا، وَلِأَنَّ كُلَّ عُضْوَيْنِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِيهِمَا، وَجَبَ فِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا، كَالْيَدَيْنِ، وَإِنْ قُطِعَ بَعْضُ إحْدَاهُمَا، وَجَبَ بِقَدْرِ مَا قُطِعَ مِنْ دِيَتِهَا، فَفِي نِصْفِهَا نِصْفُ دِيَتِهَا، وَفِي رُبْعِهَا رُبْعُهَا، وَعَلَى هَذَا الْحِسَابُ، سَوَاءٌ قُطِعَ مِنْ أَعْلَى الْأُذُنِ أَوْ أَسْفَلِهَا، أَوْ اخْتَلَفَ فِي الْجَمَالِ، أَوْ لَمْ يَخْتَلِفْ، كَمَا أَنَّ الْأَسْنَانَ وَالْأَصَابِعَ تَخْتَلِف فِي الْجَمَالِ وَالْمَنْفَعَةِ، وَدِيَاتُهَا سَوَاءٌ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ أَنَّ فِي شَحْمَةِ الْأُذُنِ ثُلُثَ الدِّيَةِ. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي أُذُنِ الْأَصَمِّ؛ لِأَنَّ الصَّمَمَ نَقْصٌ فِي غَيْرِ الْأُذُنِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي دِيَتِهَا. كَالْعَمَى لَا يُؤَثِّرُ فِي دِيَةِ الْأَجْفَانِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا.

[فَصْلٌ جَنَى عَلَى أُذُنِهِ فَاسْتَحْشَفَتْ]

(٦٩٠٨) فَصْلٌ: فَإِنْ جَنَى عَلَى أُذُنِهِ فَاسْتَحْشَفَتْ، وَاسْتِحْشَافُهَا كَشَلَلِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ، فَفِيهَا حُكُومَةٌ. وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ فِي الْآخَرِ: فِي ذَلِكَ دِيَتُهَا؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَتْ دِيَتُهُ بِقَطْعِهِ، وَجَبَتْ بِشَلَلِهِ، كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ. وَلَنَا، أَنَّ نَفْعَهَا بَاقٍ بَعْدَ اسْتِحْشَافِهَا وَجَمَالَهَا، فَإِنَّ نَفْعَهَا جَمْعُ الصَّوْتِ، وَمَنْعُ دُخُولِ الْمَاءِ وَالْهَوَامِّ فِي صِمَاخِهِ، وَهَذَا بَاقٍ بَعْدَ شَلَلِهَا، فَإِنْ قَطَعَهَا قَاطِعٌ بَعْدَ اسْتِحْشَافِهَا، فَفِيهَا دِيَتُهَا؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ أُذُنًا فِيهَا جَمَالُهَا وَنَفْعُهَا، فَوَجَبَتْ دِيَتُهَا كَالصَّحِيحَةِ، وَكَمَا لَوْ قَلَعَ عَيْنًا عَمْشَاءَ أَوْ حَوْلَاءَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>