عَنْ أَدَائِهِ، فَحَبَسَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُ التَّحَلُّلُ، كَمَنْ ذَكَرْنَا. وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، يَحِلُّ قَبْلَ قُدُومِ الْحَاجِّ، فَمَنَعَهُ صَاحِبُهُ مِنْ الْحَجِّ، فَلَهُ التَّحَلُّلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ.
وَلَوْ أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ الْمَرْأَةُ لِلتَّطَوُّعِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، فَلَهُمَا مَنْعُهَا، وَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمُحْصَرِ. (٢٤٢٦) فَصْل: إنْ أَمْكَنَ الْمُحْصَرَ الْوُصُولُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، لَمْ يُبَحْ لَهُ التَّحَلُّلُ، وَلَزِمَهُ سُلُوكُهَا، بَعُدَتْ أَوْ قَرُبَتْ، خَشِيَ الْفَوَاتَ أَوْ لَمْ يَخْشَهُ، فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ لَمْ يَفُتْ، وَإِنْ كَانَ بِحَجٍّ فَفَاتَهُ، تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ. وَكَذَا لَوْ لَمْ يَتَحَلَّلْ الْمُحْصَرُ حَتَّى خُلِّيَ عَنْهُ، لَزِمَهُ السَّعْيُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَوَاتِ الْحَجِّ، لِيَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ هَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إنْ فَاتَهُ الْحَجُّ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، يَلْزَمُهُ، كَمَنَ فَاتَهُ بِخَطَأِ الطَّرِيقِ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْفَوَاتِ الْحَصْرُ، أَشْبَهَ مِنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا أُخْرَى، بِخِلَافِ الْمُخْطِئِ.
[فَصْل أُحْصِرَ فَلَمْ يَجِدْ طَرِيقًا أُخْرَى فَتَحَلَّلَ]
(٢٤٢٧) فَصْلٌ: فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا أُخْرَى، فَتَحَلَّلَ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا يَفْعَلُهُ بِالْوُجُوبِ السَّابِقِ، فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالشَّعْبِيِّ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَحَلَّلَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، قَضَى مِنْ قَابِلٍ، وَسُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ قَبْلَ إتْمَامِهِ، فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ، كَمَا لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ.
وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُ تَطَوُّعٌ جَازَ التَّحَلُّلُ مِنْهُ، مَعَ صَلَاحِ الْوَقْتِ لَهُ، فَلَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ، كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ، فَلَمْ يَكُنْ، فَأَمَّا الْخَبَرُ، فَإِنَّ الَّذِينَ صُدُّوا كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَاَلَّذِينَ اعْتَمَرُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا نَفَرًا يَسِيرًا، وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَحَدًا بِالْقَضَاءِ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ، فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهَا الْقَضِيَّةَ الَّتِي اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا، وَاتَّفَقُوا عَلَيْهَا، وَلَوْ أَرَادُوا غَيْرَ ذَلِكَ لَقَالُوا: عُمْرَةَ الْقَضَاءِ. وَيُفَارِقُ الْفَوَاتَ، فَإِنَّهُ مُفَرِّطٌ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
[فَصْل وَإِذَا قَدَرَ الْمُحْصَرُ عَلَى الْهَدْيِ فَلَيْسَ لَهُ الْحِلُّ قَبْلَ ذَبْحِهِ]
(٢٤٢٨) فَصْلٌ: وَإِذَا قَدَرَ الْمُحْصَرُ عَلَى الْهَدْيِ، فَلَيْسَ لَهُ الْحِلُّ قَبْلَ ذَبْحِهِ. فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ قَدْ سَاقَهُ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ إنْ أَمْكَنَهُ، وَيُجْزِئُهُ أَدْنَى الْهَدْيِ، وَهُوَ شَاةٌ، أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] . وَلَهُ نَحْرُهُ فِي مَوْضِعِ حَصْرِهِ، مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى أَطْرَافِ الْحَرَمِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، يَلْزَمُهُ نَحْرُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَرَمَ كُلَّهُ مَنْحَرٌ، وَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي، يَنْحَرُهُ فِي مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ هَدْيَهُ فِي مَوْضِعِهِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ: لَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute