اثْنَانِ عَبْدًا لَهُمَا عِنْدَ اثْنَيْنِ بِأَلْفٍ، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ عُقُودٍ، وَيَصِيرُ كُلُّ رُبْعٍ مِنْ الْعَبْدِ رَهْنًا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، فَمَتَى قَضَاهَا مَنْ هِيَ عَلَيْهِ، انْفَكَّ مِنْ الرَّهْنِ ذَلِكَ الْقَدْرُ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
[فَصْلٌ ادَّعَى رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ رَهَنَهُمَا عَبْدَهُ فَأَنْكَرَهُمَا جَمِيعًا]
(٣٣٩٧) فَصْلٌ: وَلَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ رَهَنَهُمَا عَبْدَهُ وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: رَهَنَهُ عِنْدِي دُونَ صَاحِبِي. فَأَنْكَرَهُمَا جَمِيعًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِنْ أَنْكَرَ أَحَدَهُمَا، وَصَدَّقَ الْآخَرَ، سُلِّمَ إلَى مَنْ صَدَّقَهُ، وَحُلِّفَ الْآخَرُ. وَإِنْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ عَيْنَ الْمُرْتَهِنِ مِنْهُمَا. حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ مِنْهُمَا مَعَ يَمِينه. وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا، حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى نِصْفِهِ، وَصَارَ رَهْنًا عِنْدَهُ. وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، أَقْرَعِ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ، حَلَفَ وَأَخَذَهُ، كَمَا لَوْ ادَّعَيَا مِلْكَهُ. وَلَوْ قَالَ: رَهَنْته عِنْدَ أَحَدِهِمَا، ثُمَّ رَهَنْته لِلْآخَرِ، وَلَا أَعْلَمُ السَّابِقَ مِنْهُمَا. فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ: هَذَا هُوَ السَّابِقُ بِالْعَقْدِ وَالْقَبْضِ. سُلِّمَ إلَيْهِ، وَحَلَفَ لِلْآخَرِ، وَإِنْ نَكِلَ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْأَوَّلِ، أَوْ يَدِ غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِلثَّانِي، كَمَا لَوْ قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ لِزَيْدٍ، وَغَصَبْته مِنْ عَمْرٍو. فَإِنَّهُ يُسَلَّمُ إلَى زَيْدٍ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِعَمْرٍو. وَإِنْ نَكِلَ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الثَّانِي، أَقَرَّ فِي يَدِهِ، وَغَرِمَ قِيمَتَهُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بَعْدَ مَا فَعَلَ مَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ أَقَرَّ لَهُ، فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ، كَمَا قُلْنَا. وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا اعْتَرَفَ بِهِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، فَهَلْ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْ الْمُقِرُّ لَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَوْ اعْتَرَفَ لَأَحَدِهِمَا وَهُوَ فِي يَدَيْهِمَا. ثَبَتَتْ يَدُ الْمُقِرِّ لَهُ فِي النِّصْفِ، وَفِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَجْهَانِ.
[فَصْلٌ أَذِنَ لِلرَّاهِنِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ بَعْدَ حُلُولِ الْحَقِّ]
(٣٣٩٨) فَصْلٌ: إذَا أَذِنَ لِلرَّاهِنِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ بَعْدَ حُلُولِ الْحَقِّ، جَازَ، وَتَعَلَّقَ حَقُّهُ بِثَمَنِهِ. وَإِنْ أَذِنَ لَهُ قَبْلَ حُلُولِهِ مُطْلَقًا، فَبَاعَهُ، بَطَلَ الرَّهْنُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عِوَضُهُ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِيمَا يُنَافِي حَقَّهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَذِنَ فِي عِتْقِهِ، وَلِلْمَالِكِ أَخْذُ ثَمَنِهِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: يَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ بَاعَ الرَّهْنَ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ حَقُّهُ فِيهِ، كَمَا لَوْ حَلَّ الدَّيْنُ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الرَّهْنِ، وَالثَّمَنُ بَدَلُهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ، مُتْلِفٌ. وَلَنَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مِنْ عَيْنِ الرَّهْنِ لَا يَمْلِكُهُ الْمُرْتَهِنُ، فَإِذَا أَذِنَ فِيهِ، أَسْقَطَ حَقَّهُ، كَالْعِتْقِ، وَيُخَالِفُ مَا بَعْدَ الْحُلُولِ، لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَسْتَحِقُّ الْبَيْعَ، وَيُخَالِفُ الْإِتْلَافَ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمُرْتَهِنِ. فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا أَرَدْت بِإِطْلَاقِ الْإِذْنِ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ رَهْنًا. لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْإِذْنِ يَقْتَضِي بَيْعًا بِفَسْخِ الرَّهْنِ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ مَكَانَهُ رَهْنًا، أَوْ يُعَجِّلَ لَهُ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ، جَازَ، وَلَزِمَ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. وَإِنْ أَذِنَ فِي الْبَيْعِ، وَاخْتَلَفَا فِي شَرْطِ جَعْلِ ثَمَنِهِ رَهْنًا، أَوْ تَعْجِيلِ دَيْنِهِ مِنْهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَثِيقَةِ. وَإِنْ أَذِنَ الرَّاهِنُ فِي الْبَيْعِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute