بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَصْنُوعِ مِنْ التَّمْرِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا شَيْئًا مَقْصُودًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِمَا، فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ مُدِّ عَجْوَةٍ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْقَطَّارَةِ، وَالدِّبْسِ، وَالْخَلِّ، كُلِّ نَوْعٍ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَسَاوِيًا.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، فِي خَلِّ الدَّقَلِ: يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَسَاوِيًا. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَهُوَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ جَوَازَ الْبَيْعِ، كَالْخُبْزِ بِالْخُبْزِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوَاهُ. وَلَا يُبَاعُ نَوْعٌ بِنَوْعٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ، فَيُفْضِي إلَى التَّفَاضُلِ.
[فَصْلٌ بَيْعُ خَلِّ الزَّبِيبِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ]
(٢٨٢١) فَصْل: وَالْعِنَبُ كَالتَّمْرِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاعُ خَلُّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الزَّبِيبِ؛ لِانْفِرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ. وَيَجُوزُ بَيْعُ خَلِّ الزَّبِيبِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ خَلِّ التَّمْرِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ.
[مَسْأَلَةٌ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ جِنْسَانِ]
(٢٨٢٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ جِنْسَانِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأُسُودِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَابْنِ مُعَيْقِيبٍ الدَّوْسِيِّ، وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَمَالِكٍ، وَاللَّيْثِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ، فَقَالَ: بِعْهُ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيرًا. فَذَهَبَ الْغُلَامُ، فَأَخَذَ صَاعًا وَزِيَادَةً بَعْضَ صَاعٍ، فَلَمَّا جَاءَ مَعْمَرًا، أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ: لِمَ فَعَلْت ذَلِكَ؟ انْطَلِقْ فَرُدَّهُ، وَلَا تَأْخُذَنَّ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَإِنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» ، وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ. قِيلَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِهِ. قَالَ: إنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَارِعَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُغَشُّ بِالْآخَرِ، فَكَانَا كَنَوْعَيْ الْجِنْسِ
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» . وَفِي لَفْظٍ: «لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ، وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا، يَدًا بِيَدٍ، وَأَمَّا نَسِيئَةً فَلَا» ، وَفِي لَفْظٍ: «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» . وَهَذَا صَرِيحٌ صَحِيحٌ، لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِغَيْرِ مُعَارِضٍ مِثْلِهِ، وَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْتَرِكَا فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ، فَلَمْ يَكُونَا جِنْسًا وَاحِدًا، كَالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةِ، وَلِأَنَّهُمَا مُسَمَّيَانِ فِي الْأَصْنَافِ السِّتَّةِ، فَكَانَا جِنْسَيْنِ، كَسَائِرِهَا. وَحَدِيثُ مَعْمَرٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إضْمَارِ الْجِنْسِ، بِدَلِيلِ سَائِرِ أَجْنَاسِ الطَّعَامِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الطَّعَامَ الْمَعْهُودَ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ الشَّعِيرُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْخَبَرِ: وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمئِذٍ الشَّعِيرَ، ثُمَّ لَوْ كَانَ عَامًّا لَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْخَاصِّ الصَّرِيحِ عَلَيْهِ، وَفِعْلُ مَعْمَرٍ وَقَوْلُهُ لَا يُعَارَضُ بِهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيَاسُهُمْ يَنْتَقِضُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
[فَصْلٌ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِشَيْءِ مِنْ فُرُوعِهَا]
(٢٨٢٣) فَصْلٌ: فِي الْحِنْطَةِ وَفُرُوعِهَا، وَفُرُوعُهَا نَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا، مَا لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ، كَالدَّقِيقِ، وَالسَّوِيقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute