وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَمَةً؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَيْهِ، وَهُوَ إرْقَاقُ وَلَدِهِ، وَالنَّقْصُ فِي اسْتِمْتَاعِهِ.
وَإِنْ رَضِيَ الْأَبُ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الضَّرَرَ يَلْحَقُ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ الْوَلَدُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوسِرِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً. وَإِذَا زَوَّجَهُ زَوْجَةً أَوْ مَلَّكَهُ أَمَةً، فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَنَفَقَتُهَا. وَمَتَى أَيْسَرَ الْأَبُ، لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ اسْتِرْجَاعُ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ، وَلَا عِوَضَ مَا زَوَّجَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ فِي حَالِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ اسْتِرْجَاعَهُ، كَالزَّكَاةِ. وَإِنْ زَوَّجَهُ أَوْ مَلَّكَهُ أَمَةً فَطَلَّقَ الزَّوْجَةَ أَوْ أَعْتَقَ الْأَمَةَ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَوْ يُمَلِّكَهُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَإِنْ مَاتَتَا، فَعَلَيْهِ إعْفَافُهُ ثَانِيًا لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ فِي ذَلِكَ.
[فَصْلٌ كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ إعْفَافُهُ لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ]
فَصْلٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَعَلَى الْأَبِ إعْفَافُ ابْنِهِ إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ، نَفَقَتُهُ، وَكَانَ مُحْتَاجًا إلَى إعْفَافِهِ. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ، وَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَيَلْزَمُهُ إعْفَافُهُ عِنْدَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، كَأَبِيهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَلِكَ يَجِيءُ فِي كُلِّ مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ؛ مِنْ أَخٍ، أَوْ عَمٍّ، أَوْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَدْ نَصَّ فِي الْعَبْدِ: يَلْزَمُهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ، وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْهِ. وَكُلُّ مِنْ لَزِمَهُ إعْفَافُهُ لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِعْفَافِ إلَّا بِذَلِكَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْأَبَ نَفَقَةُ زَوْجَةِ الِابْنِ. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الِابْنَ كَانَ يَجِدُ نَفَقَتَهَا.
[مَسْأَلَةٌ قَالَ الصَّبِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ أُجْبِرَ وَارِثُهُ عَلَى نَفَقَتِهِ]
(٦٤٩٦) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ، أُجْبِرَ وَارِثُهُ عَلَى نَفَقَتِهِ، عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ مِنْهُ) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَارِثٍ لِمَوْرُوثِهِ، إذَا اجْتَمَعْت الشُّرُوطُ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهَا. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَحْمَدَ، فِي الصَّبِيِّ الْمُرْضِعِ لَا أَبَ لَهُ وَلَا جَدَّ، نَفَقَتَهُ وَأَجْرَ رَضَاعِهِ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ. وَكَذَلِكَ رَوَى بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ: النَّفَقَةُ عَلَى الْعَصَبَاتِ. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى عَلَى بَنِي عَمِّ مَنْفُوسٍ بِنَفَقَتِهِ. احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ حَبَسَ عَصَبَةً يُنْفِقُونَ عَلَى صَبِيِّ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ. وَلِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ وَمَعُونَةٌ تَخْتَصُّ الْقَرَابَةَ، فَاخْتَصَّتْ بِهَا الْعَصَبَاتُ، كَالْعَقْلِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥] . وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَفَقَةَ إلَّا عَلَى الْمَوْلُودِينَ وَالْوَالِدَيْنِ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَرَجُلٍ سَأَلَهُ: عِنْدِي دِينَارٌ؟ قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِك. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِك. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute