فَلَا يَتَعَيَّنُ الظِّهَارُ فِيهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ. وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ.
وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي أَوْ: مِثْلُ أُمِّي. أَوْ قَالَ: أَنْتِ أُمِّي، أَوْ: امْرَأَتِي أُمِّي. مَعَ الدَّلِيلِ الصَّارِفِ لَهُ إلَى الظِّهَارِ، كَانَ ظِهَارًا؛ إمَّا بِنِيَّةٍ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا. وَإِنْ قَالَ: أُمِّي امْرَأَتِي. أَوْ: مِثْلُ امْرَأَتِي. لَمْ يَكُنْ ظِهَارًا؛ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ لِأُمِّهِ، وَوَصْفٌ لَهَا، وَلَيْسَ بِوَصْفٍ لِامْرَأَتِهِ.
[الْفَصْلُ الثَّالِث قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ]
الْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ. فَإِنْ نَوَى بِهِ الظِّهَارَ، فَهُوَ ظِهَارٌ، فِي قَوْلِ عَامَّتِهِمْ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، هُوَ ظِهَارٌ. ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَذَكَرَهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي قِلَابَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ، وَالْبَتِّيِّ، أَنَّهُمْ قَالُوا: الْحَرَامُ ظِهَارٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ يَمِينٌ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: إنَّ التَّحْرِيمَ يَمِينٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] ثُمَّ قَالَ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الظِّهَارَ، لَيْسَ بِظِهَارٍ.
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ وَوَجْهُ ذَلِكَ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَأَنَّ التَّحْرِيمَ يَتَنَوَّعُ، مِنْهُ مَا هُوَ بِظِهَارٍ وَبِطَلَاقٍ وَبِحَيْضٍ وَإِحْرَامٍ وَصِيَامٍ، فَلَا يَكُونُ التَّحْرِيمُ صَرِيحًا فِي وَاحِدٍ مِنْهَا، وَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، كَمَا لَا يَنْصَرِفُ إلَى تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ تَحْرِيمٌ أَوْقَعَهُ فِي امْرَأَتِهِ، فَكَانَ بِإِطْلَاقِهِ ظِهَارًا، كَتَشْبِيهِهَا بِظَهْرِ أُمِّهِ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ التَّحْرِيمَ يَتَنَوَّعُ. قُلْنَا: إلَّا أَنَّ تِلْكَ الْأَنْوَاعَ مُنْتَفِيَةٌ، وَلَا يَحْصُلُ بِقَوْلِهِ مِنْهَا إلَّا الطَّلَاقُ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَبِينُ بِهِ الْمَرْأَةُ، وَهَذَا يُحَرِّمُهَا مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ، فَكَانَ أَدْنَى التَّحْرِيمَيْنِ، فَكَانَ أَوْلَى. فَأَمَّا إنْ قَالَ ذَلِكَ لَمُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ بِحَيْضِ أَوْ نَحْوِهِ، وَقَصَدَ الظِّهَارَ، فَهُوَ ظِهَارٌ، وَإِنْ قَصَدَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِذَلِكَ السَّبَبِ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ. وَإِنْ أَطْلَقَ، فَلَيْسَ بِظِهَارٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْخَبَرَ عَنْ حَالهَا، وَيَحْتَمِلُ إنْشَاءَ التَّحْرِيمِ فِيهَا بِالظِّهَارِ، فَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ تَعْيِينٍ.
[فَصْلٌ قَالَ الزَّوْج الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ]
(٦١٧٠) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ. أَوْ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ. أَوْ: مَا أَنْقَلِبُ إلَيْهِ حَرَامٌ. وَلَهُ امْرَأَةٌ، فَهُوَ مُظَاهِرٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْتَضِي الْعُمُومَ، فَيَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ بِعُمُومِهِ. وَإِنْ صَرَّحَ بِتَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ، أَوْ نَوَاهَا، فَهُوَ آكُدُ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي مَنْ قَالَ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ مِنْ أَهْلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute