الطَّعَامِ وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مُرْسَلٌ، لَمْ يَرِدْ فِي الْكُتُبِ الْمَوْثُوقِ بِهَا، وَالْحُكْمُ فِي الْغِرَافِ وَالدُّولَابِ وَالنَّاعُورَةِ، كَالْحُكْمِ فِي الْبِنَاءِ.
فَأَمَّا إنْ بِيعَتْ الشَّجَرَةُ مَعَ قَرَارِهَا مِنْ الْأَرْضِ، مُفْرَدَةً عَمَّا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ الْأَرْضِ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ الْعَقَارِ، وَلِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَجِبَ الشُّفْعَةُ فِيهَا بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْقَرَارَ تَابِعٌ لَهَا، فَإِذَا لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ فِيهَا مُفْرَدَةً، لَمْ تَجِبَ فِي تَبَعِهَا. وَإِنْ بِيعَتْ حِصَّةٌ مِنْ عُلْوِ دَارٍ مُشْتَرَكٍ نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ السَّقْفُ الَّذِي تَحْتَهُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ، فَلَا شُفْعَةَ فِي الْعُلْوِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ مُفْرَدٌ، وَإِنْ كَانَ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ مُنْفَرِدٌ لِكَوْنِهِ لَا أَرْضَ لَهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ السَّقْفُ لَهُ.
وَيَحْتَمِلُ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ قَرَارًا، فَهُوَ كَالسُّفْلِ.
[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط الشُّفْعَة أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ]
فَصْلٌ: الشَّرْطُ الثَّالِثُ، أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، فَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ مِنْ الْعَقَارِ، كَالْحَمَّامِ الصَّغِيرِ، وَالرَّحَى الصَّغِيرَةِ، وَالْعِضَادَةِ، وَالطَّرِيقِ الضَّيِّقَةِ، وَالْعِرَاصِ الضَّيِّقَةِ، فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهَا رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا شُفْعَةَ فِيهِ. وَبِهِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَرَبِيعَةُ، وَالشَّافِعِيُّ.
وَالثَّانِيَةُ، فِيهَا الشُّفْعَةُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَابْنِ سُرَيْجٍ. وَعَنْ مَالِكٍ كَالرِّوَايَتَيْنِ. وَوَجْهُ هَذَا عُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» . وَسَائِرُ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ، وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَتْ لِإِزَالَةِ ضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ وَالضَّرَرُ فِي هَذَا النَّوْعِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَبَّدُ ضَرَرُهُ.
وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا شُفْعَةَ فِي فِنَاءٍ، وَلَا طَرِيقٍ، وَلَا مُنَقِّبَةٍ» . وَالْمُنَقِّبَةُ: الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ. رَوَاهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي " رُءُوسِ الْمَسَائِلِ ". وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا فَحْلٍ. وَلِأَنَّ إثْبَاتَ الشُّفْعَةِ فِي هَذَا يَضُرُّ بِالْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ فِي نَصِيبِهِ بِالْقِسْمَةِ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِ الشَّفِيعِ، فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ، فَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ فَيُؤَدِّي إثْبَاتُهَا إلَى نَفْيِهَا.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِالْمُقَاسَمَةِ، لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ إحْدَاثِ الْمَرَافِقِ الْخَاصَّةِ، وَلَا يُوجَدُ هَذَا فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الضَّرَرَ هَاهُنَا أَكْثَرُ لِتَأَبُّدِهِ. قُلْنَا: إلَّا أَنَّ الضَّرَرَ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ هَذَا الضَّرَرِ، وَهُوَ ضَرَرُ الْحَاجَةِ إلَى إحْدَاثِ الْمَرَافِقِ الْخَاصَّةِ، فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيَةُ، وَفِي الشُّفْعَةِ هَاهُنَا ضَرَرٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَتَعَذَّرَ الْإِلْحَاقُ، فَأَمَّا مَا أَمْكَنَ قِسْمَتُهُ مِمَّا ذَكَرْنَا، كَالْحَمَّامِ الْكَبِيرِ الْوَاسِعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute