وَلَا يَبْقَى الْحُكْمُ مَعَ زَوَالِ سَبَبِهِ وَحُدُوثِ سَبَبٍ يُخَالِفُ حُكْمُهُ حُكْمَهُ، وَأَمَّا إذَا تَعَدَّى فِي الرَّهْنِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، لِعُدْوَانِهِ، لَا لِكَوْنِهِ غَاصِبًا وَلَا مُسْتَعِيرًا، وَهَا هُنَا قَدْ زَالَ سَبَبُ الضَّمَانِ، وَلَمْ يَحْدُثْ مَا يُوجِبهُ، فَلَمْ يَثْبُتْ.
[فَصْلٌ وَكَّلَ الْمُرْتَهِن الرَّاهِن فِي قَبَضَ الرَّهْن لَهُ مِنْ نَفْسه]
(٣٢٨٥) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ، وَيَقُومُ قَبْضُ وَكِيلِهِ مَقَامَ قَبْضِهِ، فِي لُزُومِ الرَّهْنِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ. وَإِنْ وَكَّلَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ، لَمْ يَصِحَّ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَبْضًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ لِيَسْتَوْفِيَ الْحَقَّ مِنْهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنْ الرَّاهِنِ، فَإِذَا كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ لَمْ يَحْصُلْ مَعْنَى الْوَثِيقَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَيْعِ، أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ دَفَعَ إلَى الْبَائِعِ غِرَارَةً، وَقَالَ: كُلُّ حَقِّي فِي هَذِهِ. فَفَعَلَ، كَانَ ذَلِكَ قَبْضًا. فَيَخْرُجُ هَاهُنَا كَذَلِكَ.
[فَصْلٌ أَقَرَّ الرَّاهِن بِتَقْبِيضِ الرَّهْن أَوْ أَقَرَّ الْمُرْتَهِن بِقَبْضِهِ]
(٣٢٨٦) فَصْلٌ: وَإِذَا أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِتَقْبِيضِ الرَّهْنِ، أَوْ أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ بِقَبْضِهِ، كَانَ ذَلِكَ مَقْبُولًا فِيمَا يُمْكِنُ صِدْقُهُمَا فِيهِ. وَإِنْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِالتَّقْبِيضِ، ثُمَّ أَنْكَرَهُ، وَقَالَ: أَقْرَرْت بِذَلِكَ وَلَمْ أَكُنْ قَبَّضْت شَيْئًا. أَوْ أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ بِالْقَبْضِ، ثُمَّ أَنْكَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ لَهُ، فَإِنْ طَلَبَ الْمُنْكِرُ يَمِينَهُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ وَطَلَبَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ يَمِينَ خَصْمِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ.
وَالثَّانِي، يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مَنْصُوصِهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَشْهَدُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَبْضِ قَبْلَهُ، فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَيَلْزَمُ خَصْمَهُ الْيَمِينُ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حُكْمِ الْعَادَةِ، وَهَذَا أَجْوَدُ. وَيُفَارِقُ الْبَيِّنَةَ، فَإِنَّهَا لَا تَشْهَدُ بِالْحَقِّ قَبْلَهُ، وَلَوْ فَعَلْت ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةً عَادِلَةً. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ الْمُقِرُّ غَائِبًا، فَقَالَ: أَقْرَرْت لِأَنَّ وَكِيلِي كَتَبَ إلَيَّ بِذَلِكَ، ثُمَّ بَانَ لِي خِلَافُهُ. سَمِعْنَا قَوْلَهُ، وَأَحْلَفْنَا خَصْمَهُ. وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاشَرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ عَادَ فَأَكْذَبَ نَفْسَهُ، لَمْ يَحْلِفْ خَصْمُهُ.
وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، فَأُمًّا إنْ اخْتَلَفَا فِي الْقَبْضِ، فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: قَبَّضْته. وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَالْأَصْلُ مَعَهُ، وَهُوَ عَدَمُ الْإِقْبَاضِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَقَدْ وُجِدَ الْقَبْضُ، لِكَوْنِهِ لَا يَحْصُلُ فِي يَدِهِ إلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ. وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ، فَقَالَ الرَّاهِنُ: أَخَذْته بِغَيْرِ إذْنِي. قَالَ: بَلْ بِإِذْنِك. وَهُوَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، فَإِنَّ الْعَقْدَ قَدْ وُجِدَ، وَيَدُهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِحَقِّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَذَكَرَ الْقَاضِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.
[فَصْلٌ رَهَنَهُ عَيْنَيْنِ فَتَلِفَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ قَبْضِهَا]
(٣٢٨٧) فَصْلٌ: وَإِذَا رَهَنَهُ عَيْنَيْنِ، فَتَلِفَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ قَبْضِهَا، انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهَا دُونَ الْبَاقِيَةِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute