يَصِحَّ؛ لِأَنَّ دَرَاهِمَ زَيْدٍ لَا يَكُونُ عِوَضُهَا لِعَمْرٍو. فَإِنْ اشْتَرَى الطَّعَامَ بِعَيْنِهَا، أَوْ فِي ذِمَّتِهِ، فَهُوَ كَتَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ عَلَى مَا تَبَيَّنَ.
وَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بِهَا طَعَامًا، ثُمَّ أَقْبِضْهُ لِنَفْسِك، فَفَعَلَ، صَحَّ الشِّرَاءُ، وَلَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ لِنَفْسِهِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ. وَإِنْ قَالَ: اقْبِضْهُ لِنَفْسِك فَفَعَلَ، جَازَ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى نَظِيرِ ذَلِكَ، وَهَكَذَا جَمِيعُ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، إذَا حَصَلَ الطَّعَامُ فِي يَدِ عَمْرٍو لِزَيْدٍ، فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَابِضًا لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ، وَيَقْبِضَ لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ شَيْئًا، جَازَ أَنْ يَقْبَلَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَقْبِضَ مِنْهَا، فَكَذَا هَاهُنَا.
[فَصْلٌ اشْتَرَى اثْنَانِ طَعَامًا فَقَبَضَاهُ ثُمَّ بَاعَ أَحَدهمَا لِلْآخَرِ نَصِيبه قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ]
(٢٩٥٩) فَصْلٌ: وَإِنْ اشْتَرَى اثْنَانِ طَعَامًا، فَقَبَضَاهُ، ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا لِلْآخِرِ نَصِيبَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، كَرِهَا أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ مِنْ شَرِيكِهِ شَيْئًا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ. لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ نَصِيبَهُ مُنْفَرِدًا، فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْمَقْبُوضِ.
وَيَحْتَمِلُ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ لَهُمَا، يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَجْنَبِيٍّ، فَجَازَ بَيْعُهُ لِشَرِيكِهِ، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ. فَإِنْ تَقَاسَمَاهُ، وَتَفَرَّقَا، ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِذَلِكَ الْكَيْلِ الَّذِي كَالَهُ، لَمْ يَجُزْ. كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ طَعَامًا، فَاكْتَالَهُ، وَتَفَرَّقَا، ثُمَّ بَاعَهُ إيَّاهُ بِذَلِكَ الْكَيْلِ. وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا، خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَقَدَّمَتَا.
[مَسْأَلَةٌ مَا يَحْتَاج إلَى الْقَبْض لَا تَجُوز الشَّرِكَةُ فِيهِ وَلَا تَوَلَّيْته وَلَا الْحَوَالَة بِهِ قَبْلَ قَبَضَهُ]
(٢٩٦٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالشَّرِكَةُ فِيهِ وَالتَّوْلِيَةُ وَالْحَوَالَةُ بِهِ كَالْبَيْعِ) . وَجُمْلَتُهُ، أَنَّ مَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِيهِ، وَلَا تَوْلِيَتُهُ، وَلَا الْحَوَالَةُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ هَذَا كُلُّهُ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِمِثْلِ الثَّمَنِ، الْأَوَّلِ، فَجَازَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ، كَالْإِقَالَةِ.
وَلَنَا، أَنَّ هَذِهِ أَنْوَاعُ بَيْعٍ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ بَيْعُ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِقِسْطِهِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَالتَّوْلِيَةَ بَيْعُ جَمِيعِهِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ. وَلِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ. وَفَارَقَ الْإِقَالَةَ، فَإِنَّهَا فَسْخٌ لِلْبَيْعِ، فَأَشْبَهَتْ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ. وَكَذَلِكَ لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ وَلَا رَهْنُهُ وَلَا دَفْعُهُ أُجْرَةً، وَلَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُفْتَقِرَةِ إلَى الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُوضٍ، فَلَا سَبِيلَ إلَى إقْبَاضِهِ.
(٢٩٦١) فَصْلٌ: وَأَمَّا التَّوْلِيَةُ وَالشَّرِكَةُ فِيمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَجَائِزَانِ؛ لِأَنَّهُمَا نَوْعَانِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّا بِأَسْمَاءٍ، كَمَا اخْتَصَّ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ وَالْمُوَاضَعَةِ بِأَسْمَاءٍ. فَإِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَشْرِكْنِي فِي نِصْفِهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ. فَقَالَ: أَشْرَكْتُك. صَحَّ، وَصَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا.
وَإِنْ قَالَ: وَلِّنِي مَا اشْتَرَيْته بِالثَّمَنِ فَقَالَ: وَلَّيْتُك. صَحَّ، إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا لَهُمَا. فَإِنْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِالرَّقْمِ.