كُلَّمَا اشْتَرَيْت ثَوْبًا، فَلَكَ دِرْهَمٌ أَجْرًا. وَكَانَتْ الثِّيَابُ مَعْلُومَةً بِصِفَةٍ، أَوْ مُقَدَّرَةً بِثَمَنٍ، جَازَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَثْمَانِهَا، وَالْأَجْرُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا، فَإِنْ اشْتَرَى، فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ عَمَلًا بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَكَانَ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ، كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ.
[فَصْلٌ اسْتَأْجَرَهُ لِيَبِيعَ لَهُ ثِيَابًا بِعَيْنِهَا]
(٤١٩٨) فَصْلٌ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَبِيعَ لَهُ ثِيَابًا بِعَيْنِهَا، صَحَّ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ ضِرَابَ الْفَحْلِ، وَحَمْلَ الْحَجَرِ الْكَبِيرِ. وَلَنَا أَنَّهُ عَمَلٌ مُبَاحٌ، تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ، فَجَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ كَشِرَاءِ الثِّيَابِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ، فَجَازَ مُقَدَّرًا بِعَمَلٍ، كَالْخِيَاطَةِ
وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ. لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ الثِّيَابَ لَا تَنْفَكُّ عَنْ رَاغِبٍ فِيهَا، وَلِذَلِكَ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ، وَلَا تَكُونُ إلَّا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، بِخِلَافِ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مُتَعَذِّرٌ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى شِرَاءِ ثِيَابٍ مُعَيَّنَةٍ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ وَاحِدٍ، وَقَدْ لَا يَبِيعُ، فَيَتَعَذَّرُ تَحْصِيلُ الْعَمَلِ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ فِي الْبَيْعِ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِشِرَاءِ ثِيَابٍ بِعَيْنِهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ فِي الْجُمْلَةِ
فَإِنْ حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ، وَإِلَّا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ، كَمَا لَوْ لَمْ يُعَيَّنْ الْبَائِعُ وَلَا الْمُشْتَرِي.
[فَصْل اسْتَأْجَرَ لِخِدْمَتِهِ مَنْ يَخْدِمُهُ كُلَّ شَهْرٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ]
(٤١٩٩) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لِخِدْمَتِهِ مَنْ يَخْدِمُهُ كُلَّ شَهْرٍ، بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْأَجِيرُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، حُرًّا أَوْ عَبْدًا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ، وَلَا يَخْتَصُّ عَامِلُهُ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ. قَالَ أَحْمَدُ: أَجِيرُ الْمُشَاهَرَةِ يَشْهَدُ الْأَعْيَادَ وَالْجُمُعَةَ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. قِيلَ لَهُ: فَيَتَطَوَّعُ بِالرَّكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: مَا لَمْ يَضُرّ بِصَاحِبِهِ. إنَّمَا أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْخِدْمَةِ، وَلِهَذَا وَقَعَتْ مُسْتَثْنَاةً فِي حَقِّ الْمُعْتَكِفِ بِتَرْكِ مُعْتَكَفِهِ لَهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ الْأَجِيرُ رَكَعَاتِ السُّنَّةِ
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْهَا. وَقَالَ أَحْمَدُ: يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَمَةَ وَالْحُرَّةَ لِلْخِدْمَةِ وَلَكِنْ يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ النَّظَرِ، لَيْسَتْ الْأَمَةُ مِثْلَ الْحُرَّةِ، وَلَا يَخْلُو مَعَهَا فِي بَيْتٍ، وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا مُتَجَرِّدَةً، وَلَا إلَى شَعْرِهَا. إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ النَّظَرِ بَعْدَ الْإِجَارَةِ كَحُكْمِهِ قَبْلَهَا، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ قَبْلَ الْإِجَارَةِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute