للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ سَقَطَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّا نَتَبَيَّنُ خَطَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يُلْحِقْهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَرَيْنَاهُ إيَّاهُ مَعَ عِشْرِينَ فِيهِمْ مُدَّعِيه، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِهِ لَحِقَ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ بِأَنْ يَرَى صَبِيًّا مَعْرُوفَ النَّسَبِ مَعَ قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُوهُ أَوْ أَخُوهُ، فَإِذَا أَلْحَقَهُ بِقَرِيبِهِ، عُلِمَتْ إصَابَتُهُ، وَإِنْ أَلْحَقَهُ بِغَيْرِهِ سَقَطَ قَوْلُهُ، جَازَ. وَهَذِهِ التَّجْرِبَةُ عِنْدَ عَرْضِهِ عَلَى الْقَائِفِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي مَعْرِفَةِ إصَابَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تُجَرِّبْهُ فِي الْحَالِ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْإِصَابَةِ وَصِحَّةِ الْمَعْرِفَةِ فِي مَرَّاتٍ كَبِيرَةٍ، جَازَ. وَقَدْ رَوَيْنَا أَنْ رَجُلًا شَرِيفًا شَكَّ فِي وَلَدٍ لَهُ مِنْ جَارِيَتِهِ، وَأَبَى أَنْ يَسْتَلْحِقَهُ، فَمَرَّ بِهِ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فِي الْمَكْتَبِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، فَقَالَ: اُدْعُ لِي أَبَاك. فَقَالَ لَهُ الْمُعَلِّمُ: وَمَنْ أَبُو هَذَا؟ قَالَ: فُلَانٌ. قَالَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْت أَنَّهُ أَبُوهُ؟ قَالَ: هُوَ أَشْبَهُ بِهِ مِنْ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ. فَقَامَ الْمُعَلِّمُ مَسْرُورًا إلَى أَبِيهِ، فَأَعْلَمَهُ بُقُولِ إيَاسٍ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ وَسَأَلَ إيَاسًا، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْت أَنَّ هَذَا وَلَدِي؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَهَلْ يَخْفَى وَلَدُك عَلَى أَحَدٍ، إنَّهُ لَأَشْبَهُ بِك مِنْ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ. فَسُرَّ الرَّجُلُ، وَاسْتَلْحَقَ وَلَدَهُ. وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ وَاحِدٍ، أَوْ لَا يُقْبَلُ إلَّا قَوْلُ اثْنَيْنِ؟ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا قَوْلُ اثْنَيْنِ، فَإِنَّ الْأَثْرَمَ رَوَى عَنْهُ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إذَا قَالَ أَحَدُ الْقَافَةِ: هُوَ لِهَذَا. وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ لِهَذَا؟ قَالَ: لَا يُقْبَلُ وَاحِدٌ حَتَّى يَجْتَمِعَ اثْنَانِ، فَيَكُونَانِ شَاهِدَيْنِ. فَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ الْقَافَةِ أَنَّهُ لِهَذَا، فَهُوَ لِهَذَا؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ، فَأَشْبَهَ الشَّهَادَةَ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ، وَيُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ قَوْلُ وَاحِدٍ. وَحُمِلَ كَلَامُ أَحْمَدَ عَلَى مَا إذَا تَعَارَضَ قَوْلُ الْقَائِفِينَ، فَقَالَ: إذَا خَالَفَ الْقَائِفُ غَيْرَهُ، تَعَارَضَا وَسَقَطَا. وَإِنْ قَالَ اثْنَانِ قَوْلًا، وَخَالَفَهُمَا وَاحِدٌ، فَقَوْلُهُمَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا شَاهِدَانِ، فَقَوْلُهُمَا أَقْوَى مِنْ قَوْلِ وَاحِدٍ. وَإِنْ عَارَضَ قَوْلُ اثْنَيْنِ قَوْلَ اثْنَيْنِ، سَقَطَ قَوْلُ الْجَمِيعِ. وَإِنْ عَارَضَ قَوْلُ الِاثْنَيْنِ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ، لَمْ يُرَجَّحْ، وَسَقَطَ الْجَمِيعُ، كَمَا لَوْ كَانَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ اثْنَيْنِ، وَالْأُخْرَى ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ. فَأَمَّا إنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِوَاحِدٍ، ثُمَّ جَاءَتْ قَافَةٌ أُخْرَى فَأَلْحَقَتْهُ بِآخَرَ، كَانَ لَاحِقًا بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْقَائِفَ جَرَى مَجْرَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَمَتَى حَكَمَ الْحَاكِمُ حُكْمًا لَمْ يَنْتَقِضْ بِمُخَالَفَةِ غَيْرِهِ لَهُ. وَكَذَلِكَ إنْ أَلْحَقَتْهُ بِوَاحِدٍ، ثُمَّ عَادَتْ فَأَلْحَقَتْهُ بِغَيْرِهِ؛ لِذَلِكَ. فَإِنْ أَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ وَلَدُهُ. حُكِمَ لَهُ بِهِ، وَسَقَطَ قَوْلُ الْقَائِفِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ، فَيَسْقُطُ بِوُجُودِ الْأَصْلِ، كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْمَاءِ.

[فَصْلٌ الْحَاقّ الْقَافَة اللَّقِيط بِكَافِرِ أَوْ رَقِيقٍ]

(٤٥٧٧) فَصْلٌ: وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِكَافِرٍ أَوْ رَقِيقٍ، لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ وَلَا رِقِّهِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالْإِسْلَامَ ثَبَتَا لَهُ بِظَاهِرِ الدَّارِ، فَلَا يَزُولُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الشَّبَهِ وَالظَّنِّ، كَمَا لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مِنْ الْمُنْفَرِدِ. وَإِنَّمَا قَبِلْنَا قَوْلَ الْقَائِفِ فِي النَّسَبِ، لِلْحَاجَةِ إلَى إثْبَاتِهِ، وَلِكَوْنِهِ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلظَّاهِرِ، وَلِهَذَا اكْتَفَيْنَا فِيهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مِنْ الْمُنْفَرِدِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ رِقِّهِ وَكُفْرِهِ، وَإِثْبَاتُهُمَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>