للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ احْوَلَّتَا، أَوْ عَمِشَتَا، فَفِي ذَلِكَ حُكُومَةٌ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ يَدَهُ فَاعْوَجَّتْ. وَالْجِنَايَةُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ، كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْبَالِغِ وَالْعَاقِلِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ الْبَالِغَ خَصْمٌ لِنَفْسِهِ، وَالْخَصْمُ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلِيُّهُمَا، فَإِذَا تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِمَا لَمْ يَحْلِفَا، وَلَمْ يَحْلِفْ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا، فَإِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ، حَلَفَا حِينَئِذٍ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلِّهِ كَمَذْهَبِنَا.

[فَصْلٌ دِيَة عَيْنِ الْأَعْوَرِ]

(٦٩٠١) فَصْلٌ: وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ. وَبِذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَقَتَادَةُ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ مَسْرُوقٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: فِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ» . وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ» . يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجِبَ فِيهِمَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، سَوَاءٌ قَلَعَهُمَا وَاحِدٌ، أَوْ اثْنَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي وَقْتَيْنِ، وَقَالِعُ الثَّانِيَةِ قَالِعُ عَيْنِ أَعْوَرَ، فَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَةٌ، لَوَجَبَ فِيهِمَا دِيَةٌ وَنِصْفٌ، وَلِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِنِصْفِ الدِّيَةِ مَعَ بَقَاءِ نَظِيرِهِ، ضُمِنَ بِهِ مَعَ ذَهَابِهِ، كَالْأُذُنِ.

وَيَحْتَمِلُ هَذَا كَلَامُ الْخِرَقِيِّ؛ لِقَوْلِهِ: وَفِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ. وَلَنَا، أَنَّ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَابْنَ عُمَرَ، قَضَوْا فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ بِالدِّيَةِ. وَلَمْ نَعْلَمْ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا، فَيَكُونُ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ قَلْعَ عَيْنِ الْأَعْوَرِ يَتَضَمَّنُ إذْهَابَ الْبَصَرِ كُلِّهِ، فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ، كَمَا لَوْ أَذْهَبَهُ مِنْ الْعَيْنَيْنِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا مَا يَحْصُلُ بِالْعَيْنَيْنِ، فَإِنَّهُ يَرَى الْأَشْيَاءَ الْبَعِيدَةَ، وَيُدْرِكُ الْأَشْيَاءَ اللَّطِيفَةَ، وَيَعْمَلُ أَعْمَالَ الْبُصَرَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا وَشَاهِدًا، وَيُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ وَفِي الْأُضْحِيَّةِ إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَوْرَاءُ مَخْسُوفَةً، فَوَجَبَ فِي بَصَرِهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، كَذَا فِي الْعَيْنَيْنِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ صَحَّ هَذَا، لَمْ يَجِبْ فِي إذْهَابِ بَصَرِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ. قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ شَيْءٍ مِنْ دِيَةِ الْعَيْنَيْنِ نَقْصُ دِيَةِ الثَّانِي؛ بِدَلِيلِ مَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِمَا فَاحْوَلَّتَا، أَوْ عَمِشَتَا، أَوْ نَقَصَ ضَوْءُهُمَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ أَرْشُ النَّقْصِ، وَلَا تَنْقُصُ دِيَتُهُمَا بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ النَّقْصَ الْحَاصِلَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي تَنْقِيصِ أَحْكَامِهِ، وَلَا هُوَ مَضْبُوطٌ فِي تَفْوِيتِ النَّفْعِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي تَنْقِيصِ الدِّيَةِ، كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا.

[فَصْلٌ قَلَعَ الْأَعْوَر عَيْن صَحِيح]

(٦٩٠٢) فَصْلٌ: وَإِنْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحٍ نَظَرْنَا؛ فَإِنْ قَلَعَ الْعَيْنَ الَّتِي لَا تُمَاثِلُ عَيْنَهُ الصَّحِيحَةَ، أَوْ قَلَعَ الْمُمَاثِلَةَ لِلصَّحِيحَةِ خَطَأً، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ، وَإِنْ قَلَعَ الْمُمَاثِلَةَ لِعَيْنِهِ الصَّحِيحَةِ عَمْدًا، فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ. وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَمَالِكٌ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>