غُسْلَانِ اجْتَمَعَا، فَأَشْبَهَا غُسْلَ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ، وَإِنْ اغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ، وَلَمْ يَنْوِ غُسْلَ الْجُمُعَةِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا لَا يُجْزِئُهُ.
وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ بَنِي أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُغْتَسِلًا، فَقَالَ: لِلْجُمُعَةِ اغْتَسَلْتَ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ لِلْجَنَابَةِ. قَالَ: فَأَعِدْ غُسْلَ الْجُمُعَةِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . وَالثَّانِي: يُجْزِئُهُ، لِأَنَّهُ مُغْتَسِلٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّنْظِيفُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِهَذَا الْغُسْلِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ» (١٣٦٦) فَصْلٌ: وَمَنْ لَا يَأْتِي الْجُمُعَةَ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَعَلَى قِيَاسِهِنَّ الصِّبْيَانُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَعَلْقَمَةُ، لَا يَغْتَسِلَانِ فِي السَّفَرِ، وَكَانَ طَلْحَةُ يَغْتَسِلُ وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَطَاوُسٍ، وَلَعَلَّهُمْ أَخَذُوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ الْعَامَّةِ.
وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّنْظِيفُ، وَقَطْعُ الرَّائِحَةِ حَتَّى لَا يَتَأَذَّى غَيْرُهُ بِهِ، وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِمَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ، وَالْأَخْبَارُ الْعَامَّةُ يُرَادُ بِهَا هَذَا، وَلِهَذَا سَمَّاهُ غُسْلَ الْجُمُعَةِ، وَمَنْ لَا يَأْتِيهَا لَا يَكُونُ غُسْلُهُ غُسْلَ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ أَتَاهَا أَحَدٌ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْغُسْلُ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَوُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ.
[فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبَيْنِ نَظِيفَيْنِ لِلْجُمُعَةِ]
(١٣٦٧) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبَيْنِ نَظِيفَيْنِ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَقُولُ: «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ جُمُعَةٍ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ: «مَنْ لَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاغْتَسَلَ.» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَأَفْضَلُهَا الْبَيَاضُ؛ لِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خَيْرُ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضُ، أَلْبِسُوهَا أَحْيَاءَكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْتَمَّ وَيَرْتَدِيَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَالْإِمَامُ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ آكَدُ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute