للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا أَنَّهُ أَخَّرَ حَقَّهَا لِعَجْزِهِ عَنْهُ، فَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ، لَزِمَهُ أَنْ يُوَفِّيَهَا إيَّاهُ، كَالدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ. وَمَا ذَكَرُوهُ فَلَيْسَ بِحَقِّهَا، وَلَا يَزُولُ الضَّرَرُ عَنْهَا بِهِ، وَإِنَّمَا وَعَدَهَا بِالْوَفَاءِ، وَلَزِمَهَا الصَّبْرُ عَلَيْهِ وَإِنْظَارُهُ. كَالْغَرِيمِ الْمُعْسِرِ. (٦١٤٩) فَصْلٌ: وَلَيْسَ عَلَى مَنْ فَاءَ بِلِسَانِهِ كَفَّارَةٌ، وَلَا حِنْثٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَعَدَ بِفِعْلِهِ، فَهُوَ كَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَلَفَ أَنْ لَا يُوَفِّيَهُ، ثُمَّ أَعْسَرِ بِهِ، فَقَالَ: مَتَى قَدَرْتُ وَفَّيْتُهُ.

[مَسْأَلَة لَمْ يُطَلِّقْ الزَّوْج عِنْدَ امْتِنَاعِهِ عَنْ الزَّوْجَة بَعْدَ الْإِيلَاءِ]

(٦١٥٠) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ، طَلَّقَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ) وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُولِيَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْفَيْئَةِ بَعْدَ التَّرَبُّصِ، أَوْ امْتَنَعَ الْمَعْذُورُ مِنْ الْفَيْئَةِ بِلِسَانِهِ، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْوَطْءِ بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ، أُمِرَ بِالطَّلَاقِ. فَإِنْ طَلَّقَ، وَقَعَ طَلَاقُهُ الَّذِي أَوْقَعَهُ، وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ. وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ إجْبَارُهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ الْوَفَاءُ بِحَقِّهَا بِهَا؛ فَإِنَّهَا تُفْضِي إلَى الْبَيْنُونَةِ، وَالتَّخَلُّصِ مِنْ ضَرَرِهِ. وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الطَّلَاقِ، طَلَّقَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، لَيْسَ لِلْحَاكِمِ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا خُيِّرَ الزَّوْجُ فِيهِ بَيْن أَمْرَيْنِ، لَمْ يَقُمْ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فِيهِ كَالِاخْتِيَارِ لِبَعْضِ الزَّوْجَاتِ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، أَوْ أُخْتَانِ. فَعَلَى هَذَا يَحْبِسُهُ، وَيُضَيِّقُ عَلَيْهِ، حَتَّى يَفِيءَ، أَوْ يُطَلِّقَ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، كَالرِّوَايَتَيْنِ.

وَلَنَا، أَنَّ مَا دَخَلَتْهُ النِّيَابَةُ، وَتَعَيَّنَ مُسْتَحِقُّهُ، وَامْتَنَعَ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فِيهِ، كَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَفَارَقَ الِاخْتِيَارَ، فَإِنَّهُ مَا تَعَيَّنَ مُسْتَحِقُّهُ. وَهَذَا أَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ. وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَ بِالطَّلَاقِ وَلَا يُطَلِّقَ إلَّا أَنْ تَطْلُبَ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا، وَإِنَّمَا الْحَاكِمُ يَسْتَوْفِي لَهَا الْحَقَّ، فَلَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ طَلَبِهَا.

[فَصْلٌ الطَّلَاقُ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُولِي]

(٦١٥١) فَصْلٌ: وَالطَّلَاقُ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُولِي رَجْعِيٌّ، سَوَاءٌ أَوْقَعَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ طَلَّقَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُولِي: فَإِنْ طَلَّقَهَا. قَالَ: تَكُونُ وَاحِدَةً، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ فُرْقَةَ الْحَاكِمِ تَكُونُ بَائِنًا. ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا. وَقَالَ الْقَاضِي: الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي فُرْقَةِ الْحَاكِمِ، أَنَّهَا تَكُونُ بَائِنًا؛ فَإِنَّ فِي رِوَايَة الْأَثْرَمِ: وَقَدْ سُئِلَ إذَا طَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ، أَتَكُونُ وَاحِدَةً؟ فَقَالَ: إذَا طَلَّقَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، فَأَمَّا تَفْرِيقُ السُّلْطَانِ، فَلَيْسَ فِيهِ رَجْعَةٌ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: طَلَاقُ الْمُولِي بَائِنٌ، سَوَاءٌ طَلَّقَ هُوَ، أَوْ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّهَا فُرْقَةٌ لِرَفْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>