مِنْ الثَّمَنِ، فَنِسْبَتُهُ إلَى الثَّمَنِ نِسْبَةُ النُّقْصَانِ بِالْعَيْبِ مِنْ الْقِيمَةِ، مِثَالُهُ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَعِيبُ صَحِيحًا بِعَشَرَةٍ، وَمَعِيبًا بِتِسْعَةِ، وَالثَّمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَقَدْ نَقَصَهُ الْعَيْبُ عُشْرَ قِيمَتِهِ، فَيُرْجَعُ عَلَى الْبَائِعِ بِعُشْرِ الثَّمَنِ، وَهُوَ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ. وَعِلَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَبِيعَ الْمَضْمُونَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ، فَفَوَاتُ جُزْءٍ مِنْهُ يُسْقِطُ عَنْهُ ضَمَانَ مَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ أَيْضًا.
وَلِأَنَّنَا لَوْ ضَمَّنَّاهُ نَقْصَ الْقِيمَةِ، أَفْضَى إلَى اجْتِمَاعِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ لِلْمُشْتَرِي، فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ قِيمَتِهِ، فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا يُنْقِصُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِعَشَرَةٍ وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ، فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا يُنْقِصُهُ عَشَرَةً، فَأَخَذَهَا، حَصَلَ لَهُ الْمَبِيعُ، وَرَجَعَ بِثَمَنِهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: " أَوْ يَأْخُذَ مَا بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْعَيْبِ ". وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَذَكَرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، فَقَالَ: يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فِي الثَّمَنِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ. قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت.
[مَسْأَلَةٌ الْأَمَة الْبِكْر إذَا وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ ظُهْر عَلَى عَيْب فَرَدَّهَا]
(٣٠٠٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا، فَأَرَادَ رَدَّهَا، كَانَ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا) يَعْنِي الْأَمَةَ الْبِكْرَ إذَا وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ فَرَدَّهَا، كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَعَهَا أَرْشَ النَّقْصِ. وَعَنْ أَحْمَدَ فِي جَوَازِ رَدِّهَا رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَرُدُّهَا، وَيَأْخُذُ أَرْشَ الْعَيْبِ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَإِسْحَاقُ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَرُدُّهَا، وَيَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا.
وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَالْوَاجِبُ رَدُّ مَا نَقَصَ قِيمَتَهَا بِالْوَطْءِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا بِكْرًا عَشَرَةً، وَثَيِّبًا ثَمَانِيَةً، رَدَّ دِينَارَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِفَسْخِ الْعَقْدِ يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، بِخِلَافِ أَرْشِ الْعَيْبِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ شُرَيْحٌ، وَالنَّخَعِيُّ: يَرُدُّ عُشْرَ ثَمَنِهَا.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: يَرُدُّ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ. وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ رَدَّهَا بِأَنَّ الْوَطْءَ نَقَصَ عَيْنَهَا وَقِيمَتَهَا، فَلَمْ يَمْلِكْ رَدَّهَا، كَمَا [إذَا] اشْتَرَى عَبْدًا فَخَصَاهُ، فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ عِنْدَ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا لِاسْتِعْلَامٍ، فَأَثْبَتَ الْخِيَارَ، كَالْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
[فَصْلٌ كُلّ مَبِيع كَانَ مَعِيبًا ثُمَّ حَدَّثَ بِهِ عِنْد الْمُشْتَرِي عَيْب آخَر قَبْلَ عِلْمه بِالْأَوَّلِ]
(٣٠٠٦) فَصْلٌ: وَكُلُّ مَبِيعٍ كَانَ مَعِيبًا، ثُمَّ حَدَثَ بِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ آخَرُ، قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْأَوَّلِ، فَعَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ، وَلَهُ أَرْشُ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ ثَبَتَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ، وَفِي الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ إضْرَارٌ بِهِ، وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute