وَالثَّانِيَةُ، لَهُ الرَّدُّ، يَرُدُّ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ، وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ. وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ، وَلَهُ الْأَرْشُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ.
وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: يَرُدُّهُ وَنُقْصَانَ الْعَيْبِ. وَقَالَ الْحَكَمُ: يَرُدُّهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ شَيْئًا. وَلَنَا، حَدِيثُ الْمُصَرَّاةِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِرَدِّهَا بَعْدَ حَلْبِهَا، وَرَدِّ عِوَضِ لَبَنِهَا. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى فِي الثَّوْبِ، إذَا كَانَ بِهِ عَوَارٌ، بِرَدِّهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ لَبِسَهُ. وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّ الْمَبِيعِ وَأَرْشِهِ، وَبَيْنَ أَخْذِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ، كَمَا لَوْ كَانَ حُدُوثُهُ لِاسْتِعْلَامِ الْمَبِيعِ.
وَلِأَنَّ الْعَيْبَيْنِ قَدْ اسْتَوَيَا، وَالْبَائِعُ قَدْ دَلَّسَ بِهِ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يُدَلِّسْ، فَكَانَ رِعَايَةُ جَانِبِهِ أَوْلَى. وَلِأَنَّ الرَّدَّ كَانَ جَائِزًا قَبْلَ حُدُوثِ الْعَيْبِ الثَّانِي، فَلَا يَزُولُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعٌ وَلَا نَصٌّ، وَالْقِيَاسُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى أَصْلٍ، وَلَيْسَ لِمَا ذَكَرُوهُ أَصْلٌ، فَيَبْقَى الْجَوَازُ بِحَالِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَرُدُّ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بِجُمْلَتِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ أَجْزَاؤُهُ. وَإِنْ زَالَ الْعَيْبُ الْحَادِثُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، رَدَّهُ وَلَا أَرْشَ مَعَهُ، عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْمَانِعُ، مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِلرَّدِّ، فَثَبَتَ حُكْمُهُ.
وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً، فَحَمَلَتْ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَصَابَ بِهَا عَيْبًا، فَالْحَمْلُ عَيْبٌ فِي الْآدَمِيَّاتِ دُونَ غَيْرِهِنَّ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْوَطْءَ وَيُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ. فَإِنْ وَلَدَتْ، فَالْوَلَدُ لِلْمُشْتَرِي. وَإِنْ نَقَصَتْهَا الْوِلَادَةُ، فَذَلِكَ عَيْبٌ أَيْضًا. وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْهَا الْوِلَادَةُ وَمَاتَ الْوَلَدُ، جَازَ رَدُّهَا؛ لِأَنَّهُ زَالَ الْعَيْبُ، وَإِنْ كَانَ وَلَدُهَا بَاقِيًا، لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا دُونَ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَفْرِيقٌ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُحَرَّمٌ. وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي " مَسَائِلِهِمَا ": لَهُ الْفَسْخُ فِيهَا، دُونَ وَلَدِهَا. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَلَدَتْ حُرًّا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا دُونَ وَلَدِهَا.
وَلَنَا، عُمُومُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا، فَرَّقَ اللَّه بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ دَفْعُ الضَّرَرِ بِأَخْذِ الْأَرْشِ، أَوْ بِرَدِّ وَلَدِهَا مَعَهَا، فَلَمْ يَجُزْ ارْتِكَابُ مَنْهِيِّ الشَّرْعِ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ أَرَادَ الْإِقَالَةَ فِيهَا دُونَ وَلَدِهَا. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ. قُلْنَا: قَدْ انْدَفَعَتْ الْحَاجَةُ بِأَخْذِ الْأَرْشِ، أَمَّا إذَا وَلَدَتْ حُرًّا، فَلَا سَبِيلَ إلَى بَيْعِهِ مَعَهَا بِحَالٍ. وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ حَيَوَانًا غَيْرَ الْآدَمِيِّ، فَحَدَثَ بِهِ حَمْلٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، لَمْ يَمْنَعْ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ.
وَإِنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْوَضْعِ، وَلَمْ تَنْقُصْهُ الْوِلَادَةُ، فَلَهُ إمْسَاكُ الْوَلَدِ وَرَدُّ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا جَائِزٌ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَمْلِهَا قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ بَعْدَهُ. وَلَوْ اشْتَرَاهَا حَامِلًا، فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ فَرَدَّهَا، رَدَّ الْوَلَدَ مَعَهَا؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute