فَمَاتُوا قَبْلَهُ، وَلِأَنَّهُ قَيَّدَ وَصِيَّتَهُ بِقَيْدٍ، فَلَا يَتَعَدَّاهُ، كَمَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ قَالَ لِأَحَدِ عَبْدَيْهِ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي. وَقَالَ لِلْآخَرِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ مِتّ فِي مَرَضِي هَذَا. فَمَاتَ فِي مَرَضِهِ، فَالْعَبْدَانِ سَوَاءٌ فِي التَّدْبِيرِ. وَإِنْ بَرَأَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ، بَطَلَ تَدْبِيرُ الْمُقَيَّدِ، وَبَقِيَ تَدْبِيرُ الْمُطْلَقِ بِحَالِهِ. وَلَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِهِ، وَقَالَ: إنْ مِتّ قَبْلِي فَهُوَ لِعَمْرٍو. صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَهُ لَهُ. وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الشُّرُوطِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ.»
[مَسْأَلَة الْوَصِيَّة بِسَهْمِ]
(٤٦٢٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ، أُعْطِيَ السُّدُسَ، وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى، يُعْطَى سَهْمًا مِمَّا تَصِحُّ مِنْهُ الْفَرِيضَةُ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِسَهْمٍ، فَرُوِيَ عَنْهُ، أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ السُّدُسَ. وَرَوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَالثَّوْرِيُّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّهُ يُعْطَى سَهْمًا مِمَّا تَصِحُّ مِنْهُ الْفَرِيضَةُ، فَيُنْظَرُ؛ كَمْ سَهْمًا صَحَّتْ مِنْهُ الْفَرِيضَةُ، فَيُزَادُ عَلَيْهَا مِثْلُ سَهْمٍ مِنْ سِهَامِهَا لِلْمُوصَى لَهُ. وَهَذَا قَوْلُ شُرَيْحٍ قَالَ: تُرْفَعُ السِّهَامُ، فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ فَإِنْ زَادَ السَّهْمُ عَلَى السُّدُسِ، فَلَهُ السُّدُسُ؛ لِأَنَّهُ مُتَحَقِّقٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: سَهْمًا. يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى سِهَامِ فَرِيضَتِهِ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ مِنْهَا، فَيَنْصَرِفُ السَّهْمُ إلَيْهَا، فَكَانَ وَاحِدًا مِنْ سِهَامِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: فَرِيضَتِي كَذَا وَكَذَا سَهْمًا، لَك مِنْهَا سَهْمٌ. وَقَالَ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ: لَهُ أَقَلُّ سَهْمٍ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ، فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَالْأَثْرَمِ: إذَا أَوْصَى لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ، يُعْطَى سَهْمًا مِنْ الْفَرِيضَةِ. قِيلَ: لَهُ نَصِيبُ رَجُلٍ، أَوْ نَصِيبُ امْرَأَةٍ؟ قَالَ: أَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنْ السِّهَامِ. قَالَ الْقَاضِي: مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ صَاحِبَاهُ: إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ، فَيَكُونَ لَهُ الثُّلُثُ. وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ، أَنَّ سِهَامَ الْوَرَثَةِ أَنْصِبَاؤُهُمْ، فَيَكُونُ لَهُ أَقَلُّهَا؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، فَإِنْ زَادَ عَلَى السُّدُسِ دُفِعَ إلَيْهِ السُّدُسُ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ سَهْمٍ يَرِثُهُ ذُو قَرَابَةٍ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يُعْطَى سَهْمًا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ أُصُولِ الْفَرَائِضِ، فَالسَّهْمُ مِنْهَا أَقَلُّ السِّهَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: يُعْطِيهِ الْوَرَثَةَ مَا شَاءُوا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّهْمِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِجُزْءٍ أَوْ حَظٍّ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَعِكْرِمَةُ: لَا شَيْءَ لَهُ. وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «، أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسَهْمٍ مِنْ الْمَالِ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّدُسَ» . وَلِأَنَّ السَّهْمَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute