عَلَى أَنَّ الِاسْتِئْمَارَ هَاهُنَا، وَالِاسْتِئْذَانَ فِي حَدِيثِهِمْ مُسْتَحَبٌّ، لَيْسَ بِوَاجِبٍ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «آمِرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَحَدِيثُ الَّتِي خَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلٌ،
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا الَّتِي زَوَّجَهَا أَبُوهَا مِنْ ابْنِ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِهَا خَسِيسَتَهُ، فَتَخْيِيرُهَا لِذَلِكَ، وَلِأَنَّ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِي نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِي نِكَاحِ الْكَبِيرَةِ، كَالنُّطْقِ. وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ فَوَضَعَهَا فِي كَفَاءَةٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، فَلَمْ يَصِحَّ. كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَلِأَنَّهُ عَقَدَ لِمُوَلِّيَتِهِ عَقْدًا لَا حَظَّ لَهَا فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، فَلَمْ يَصِحَّ، كَبَيْعِهِ عَقَارَهَا مِنْ غَيْرِ غِبْطَةٍ وَلَا حَاجَةٍ، أَوْ بَيْعِهِ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ، وَلِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهَا شَرْعًا، فَلَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ لَهَا شَرْعًا بِمَا لَا حَظَّ لَهَا فِيهِ كَالْوَكِيلِ
وَالثَّانِيَةُ، يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ الصِّحَّةَ، كَشِرَاءِ الْمَعِيبِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ عَيْبُهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ النِّكَاحُ، إذَا عَلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ بِكُفْءٍ، وَيَصِحُّ إذَا لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ حَرُمَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، فَبَطَلَ لِتَحْرِيمِهِ، بِخِلَافِ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى لَهَا مَعِيبًا يَعْلَمُ عَيْبَهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِحَّ نِكَاحُ الْكَبِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ الضَّرَرِ، بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهَا، فَتُفْسَخُ إنْ كَرِهَتْ، وَإِنْ لَمْ تَفْسَخْ كَانَ كَإِجَازَتِهَا وَإِذْنِهَا، بِخِلَافِ نِكَاحِ الصَّغِيرَةِ.
وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ؛ فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً، فَلَهَا الْخِيَارُ، وَلَا خِيَارَ لِأَبِيهَا إذَا كَانَ عَالِمًا؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِرِضَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، فَعَلَيْهِ الْفَسْخُ، وَلَا يَسْقُطُ بِرِضَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَفْسَخُ لِحَظِّهَا، وَحَقُّهَا لَا يَسْقُطُ بِرِضَاهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الْفَسْخُ، وَلَكِنْ يَمْنَعُ الدُّخُولَ عَلَيْهَا حَتَّى تَبْلُغَ فَتَخْتَارَ. وَإِنْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ غَيْرَ الْأَبِ، فَلَهَا الْفَسْخُ عَلَى مَا مَضَى. وَعَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، وَلَا مِنْ مَعِيبٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقَامَهُ مُقَامَهَا، نَاظِرًا لَهَا فِيمَا فِيهِ الْحَظُّ، وَمُتَصَرِّفًا لَهَا، لِعَجْزِهَا عَنْ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهَا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ مَا لَا حَظَّ لَهَا فِيهِ، كَمَا فِي مَالِهَا، وَلِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهَا بِمَا لَا حَظَّ فِيهِ، فَفِي نَفْسِهَا أَوْلَى.
[مَسْأَلَةٌ لَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ إجْبَارُ كَبِيرَةٍ وَلَا تَزْوِيجُ صَغِيرَةٍ جِدًّا]
(٥٢٠١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا لِغَيْرِ الْأَبِ. يَعْنِي لَيْسَ لِغَيْرِ الْأَبِ إجْبَارُ كَبِيرَةٍ، وَلَا تَزْوِيجُ صَغِيرَةٍ، جِدًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إلَّا فِي الْجَدِّ، فَإِنَّهُ جَعَلَهُ كَالْأَبِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ وِلَايَةُ إيلَادٍ، فَمَلَكَ إجْبَارَهَا كَالْأَبِ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لِغَيْرِ الْأَبِ تَزْوِيجُ الصَّغِيرَةِ، وَلَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ. وَقَالَ هَؤُلَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute