وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَلَيْسَ هَذَا شَرْطًا، إنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِلْوَقْتِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ مُعَرَّفًا بِفِعْلٍ يَقَعُ فِيهِ، فَيَقَعُ فِي أَوَّلِهِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ الَّذِي نُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ زَيْدٌ. فَكَذَلِكَ. وَلَوْ مَاتَ الرَّجُلُ غَدْوَةً، ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ، أَوْ مَاتَ الزَّوْجَانِ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ، كَانَ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ. فَقَدِمَ فِيهِ، خُرِّجَ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ؛ لِأَنَّ قُدُومَهُ شَرْطٌ، فَلَا يَتَقَدَّمُهُ الْمَشْرُوطُ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ. فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ قَبْلَ قُدُومِهِ بِالِاتِّفَاقِ. وَكَمَا لَوْ قَالَ: إذَا قَدِمَ زَيْدٌ. وَالثَّانِي، أَنَّهُ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، قِيَاسًا عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ.
[فَصْل قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَطَالِقٌ غَدًا]
(٥٩٢٢) فَصْلٌ: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَطَالِقٌ غَدًا. طَلَقَتْ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ مَنْ طَلَقَتْ الْيَوْمَ فَهِيَ طَالِقٌ غَدًا. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ تَطْلُقَ الْيَوْمَ، وَتَطْلُقَ غَدًا. طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ فِي الْيَوْمَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّهَا تَطْلُقُ فِي أَحَدِ الْيَوْمَيْنِ. طَلَقَتْ الْيَوْمَ، وَلَمْ تَطْلُقْ غَدًا، لِأَنَّهُ جَعَلَ الزَّمَانَ كُلَّهُ ظَرْفًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، فَوَقَعَ فِي أَوَّلِهِ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَنِصْفَ طَلْقَةٍ غَدًا، طَلَقَتْ الْيَوْمَ وَاحِدَةً، وَأُخْرَى غَدًا؛ لِأَنَّ النِّصْفَ يُكَمَّلُ فَيَصِيرُ طَلْقَةً تَامَّةً. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَبَاقِيَهَا غَدًا. احْتَمَلَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا تَطْلُقَ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: نِصْفَهَا، كُمِّلَتْ الْيَوْمَ كُلُّهَا، فَلَمْ يَبْقَ لَهَا بَقِيَّةٌ تَقَعُ غَدًا، وَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُ مَا أَوْقَعَهُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي هَذَا الِاحْتِمَالَ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، ذَكَرَ أَصْحَابُهُ فِيهَا الْوَجْهَيْنِ.
[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ]
(٥٩٢٣) فَصْلٌ: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ. فَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ مُحَالٍ، فَلَغَا الشَّرْطُ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ. كَمَا لَوْ قَالَ لِمَنْ لَا سُنَّة لِطَلَاقِهَا وَلَا بِدْعَة: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ. وَقَالَ فِي " الْمُجَرَّدِ ": لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ، لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ إذَا جَاءَ غَدٌ فِي الْيَوْمِ، وَلَا يَأْتِي غَدٌ إلَّا بَعْدَ فَوَاتِ الْيَوْمِ وَذَهَابِ مَحَلِّ الطَّلَاقِ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أُمْسِ وَلَا نِيَّة لَهُ]
(٥٩٢٤) فَصْلٌ: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ. وَلَا نِيَّةَ لَهُ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فَرُوِيَ عَنْهُ فِي مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ. وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: يَقَعُ الطَّلَاقُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلْقَةَ بِمَا لَا تَتَّصِفُ بِهِ، فَلَغَتْ الصِّفَةُ، وَوَقَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute