[فَصْلٌ شِرَاءُ الْكَافِرِ مُسْلِمًا]
فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ مُسْلِمًا. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ وَيُجْبَرُ عَلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمُسْلِمَ بِالْإِرْثِ، وَيَبْقَى مِلْكُهُ عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَ فِي يَدِهِ، فَصَحَّ شِرَاؤُهُ لَهُ، كَالْمُسْلِمِ. وَلَنَا، أَنَّهُ يُمْنَعُ اسْتِدَامَةَ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، فَمُنِعَ ابْتِدَاءَهُ، كَالنِّكَاحِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يُثْبِتُ الْمِلْكَ عَلَى الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَالنِّكَاحِ، وَالْمِلْكِ بِالْإِرْثِ. الِاسْتِدَامَةُ أَقْوَى مِنْ ابْتِدَاءِ الْمِلْكِ بِالْفِعْلِ وَالِاخْتِيَارِ، بِدَلِيلِ ثُبُوتِهِ بِهِمَا لِلْمُحْرِمِ فِي الصَّيْدِ، مَعَ مَنْعِهِ مِنْ ابْتِدَائِهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْأَقْوَى ثُبُوتُ مَا دُونَهُ، مَعَ أَنَّنَا نَقْطَعُ الِاسْتِدَامَةَ عَلَيْهِ بِمَنْعِهِ مِنْهَا، وَإِجْبَارِهِ عَلَى إزَالَتِهَا.
[فَصْلٌ وَكَّلَ كَافِرٌ مُسْلِمًا فِي شِرَاءِ مُسْلِمٍ]
(٣١٧٩) فَصْلٌ: وَلَوْ وَكَّلَ كَافِرٌ مُسْلِمًا فِي شِرَاءِ مُسْلِمٍ، لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ، وَلِأَنَّ الْمُوَكَّلَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِشِرَائِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا فِي شِرَاءِ خَمْرٍ. وَإِنْ وَكَّلَ الْمُسْلِمُ كَافِرًا يَشْتَرِي لَهُ مُسْلِمًا، فَاشْتَرَاهُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَصِحُّ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ إنَّمَا كَانَ لِمَا فِيهِ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ هَاهُنَا، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَانِعُ. وَالثَّانِي، لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَا مُنِعَ مِنْ شِرَائِهِ مُنِعَ التَّوْكِيلُ فِيهِ، كَالْمُحْرِمِ فِي شِرَاءِ الصَّيْدِ، وَالْكَافِرِ فِي نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ، وَالْمُسْلِمُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِذِمِّيِّ فِي شِرَاءِ خَمْرٍ.
[فَصْلٌ اشْتَرَى الْكَافِرُ مُسْلِمًا]
(٣١٨٠) فَصْلٌ: وَإِنْ اشْتَرَى الْكَافِرُ مُسْلِمًا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ، كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ، صَحَّ الشِّرَاءُ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ، فِي قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. وَحَكَى فِيهِ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَصِحُّ. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمُسْلِمَ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَاَلَّذِي لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ مَا مُنِعَ مِنْ شِرَائِهِ، لَمْ يُبَحْ لَهُ شِرَاؤُهُ وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ عَقِيبَ الشِّرَاءِ، كَشِرَاءِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ. وَالثَّانِيَةُ يَصِحُّ شِرَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا ثَبَتَ لِمَا فِيهِ مِنْ إهَانَةِ الْمُسْلِمِ بِمِلْكِ الْكَافِرِ لَهُ، وَالْمِلْكُ هَاهُنَا يَزُولُ عَقِيبَ الشِّرَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيَحْصُلُ مِنْ نَفْعِ الْحُرِّيَّةِ أَضْعَافُ مَا حَصَلَ مِنْ الْإِهَانَةِ بِالْمِلْكِ فِي لَحْظَةٍ يَسِيرَةٍ. وَيُفَارِقُ مَنْ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ إلَّا بِإِزَالَتِهِ، وَكَذَلِكَ شِرَاءُ الْمُحْرِمِ لِلصَّيْدِ، فَإِنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ، لَثَبَتَ مِلْكُهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَزُلْ.
وَلَوْ قَالَ كَافِرٌ لَمُسْلِمٍ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي، وَعَلَيَّ ثَمَنَهُ. فَفَعَلَ، صَحَّ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إبْطَالٌ لِلرِّقِّ فِيهِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ الْمِلْكُ فِيهِ حُكْمًا، فَجَازَ، كَمَا يَمْلِكُهُ بِالْإِرْثِ حُكْمًا. وَلِأَنَّ مَا يَحْصُلُ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ مِنْ النَّفْعِ يَنْغَمِرُ فِيهِ مَا يَحْصُلُ مِنْ الضَّرَرِ بِالْمِلْكِ، فَيَصِيرُ كَالْمَعْدُومِ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ؛ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ بِنَاءً عَلَى شِرَاءِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute