للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ جِنَايَةٌ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، لَا غَيْرُ. وَإِنْ حَلَفَ عَلَيْهِ عَلَى الْبَتِّ كَفَاهُ، وَكَانَ التَّقْدِيرُ فِيهِ الْعِلْمَ، كَمَا فِي الشَّاهِدِ إذَا شَهِدَ بِعَدَدِ الْوَرَثَةِ، وَقَالَ: لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرَهُمْ. سُمِعَ ذَلِكَ، وَكَانَ التَّقْدِيرُ فِيهِ عِلْمَهُ.

وَلَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّ عَبْدَهُ جَنَى أَوْ اسْتَدَانَ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَيَمِينُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ، فَأَشْبَهَتْ يَمِينَ الْوَارِثِ عَلَى نَفْيِ الْمَوْرُوثِ.

[فَصْل بَاعَ سِلْعَةً فَظَهْرَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ بِهَا وَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ]

(٨٤٣٥) فَصْلٌ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: اخْتَلَفَ قَوْلُ أَحْمَدَ، فِي مَنْ بَاعَ سِلْعَةً، فَظَهْرَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ بِهَا، وَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ، هَلْ الْيَمِينُ عَلَى الْبَتَاتِ أَوْ عَلَى عِلْمِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَلَوْ أَبَقَ عَبْدُ الْمُشْتَرِي، فَادَّعَى عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ، فَأَنْكَرَ، هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَأْبِقْ قَطُّ، أَوْ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلَدَهُ، فَيَحْلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَأْبِقْ قَطُّ.

وَوَجْهُ كَوْنِ الْيَمِينِ عَلَى عِلْمِهِ، أَنَّهَا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ عَبْدَهُ جَنَى. وَوَجْهُ الْأُخْرَى، أَنَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ بَاعَهُ مَعِيبًا، يَسْتَحِقُّ بِهِ رَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَزِمَتْهُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَتِّ، كَمَا لَوْ كَانَ إثْبَاتًا.

[فَصْل تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ هُوَ فِيهَا صَادِقٌ]

(٨٤٣٦) فَصْلٌ: وَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ هُوَ فِيهَا صَادِقٌ، أَوْ تَوَجَّهَتْ لَهُ، أُبِيحَ لَهُ الْحَلِفُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ إثْمٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الْيَمِينَ، وَلَا يَشْرَعُ مُحَرَّمًا. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الْحَقِّ، فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ. وَحَلَفَ عُمَرُ لِأَبِي عَلَى نَخِيلٍ، ثُمَّ وَهَبَهُ لَهُ، وَقَالَ: خِفْت إنْ لَمْ أَحْلِفْ أَنْ يَمْتَنِعَ النَّاسُ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى حُقُوقِهِمْ، فَتَصِيرَ سُنَّةً.

قَالَ حَنْبَلٌ: بُلِيَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوِ هَذَا، جَاءَ إلَيْهِ ابْنُ عَمِّهِ، فَقَالَ: لِي قِبَلَك حَقٌّ مِنْ مِيرَاثِ أَبِي، وَأُطَالِبُك بِالْقَاضِي، وَأُحَلِّفُك. فَقِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَا تَرَى؟ قَالَ: أَحْلِفُ لَهُ، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِبَلِي حَقٌّ، وَأَنَا غَيْرُ شَاكٍّ فِي ذَلِكَ حَلَفْت لَهُ، وَكَيْفَ لَا أَحْلِفُ، وَعُمَرُ قَدْ حَلَفَ، وَأَنَا مَنْ أَنَا؟ وَعَزَمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَى الْيَمِينِ، فَكَفَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ، وَرَجَعَ الْغُلَامُ عَنْ تِلْكَ الْمُطَالَبَةِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْأَوْلَى، فَقَالَ قَوْمٌ: الْحَلِفُ أَوْلَى مِنْ افْتِدَاءِ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ حَلَفَ؛ وَلِأَنَّ فِي الْحَلِفِ فَائِدَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، حِفْظُ مَالِهِ عَنْ الضَّيَاعِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إضَاعَتِهِ.

وَالثَّانِيَةُ، تَخْلِيصُ أَخِيهِ الظَّالِمِ مِنْ ظُلْمِهِ، وَأَكْلِ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، وَهَذَا مِنْ نَصِيحَتِهِ وَنُصْرَتِهِ بِكَفِّهِ عَنْ ظُلْمِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>