تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] . أَوْجَبَ أَجْرَ رَضَاعِ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] .
وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: ٢٣] . وَمِنْ الْإِحْسَانِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا. وَمِنْ السُّنَّةِ «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدٍ: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَتْ عَائِشَةُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ، فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا، وَلَا مَالَ، وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ، وَأَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْءِ نَفَقَةَ أَوْلَادِهِ الْأَطْفَالِ الَّذِينَ لَا مَالَ لَهُمْ.
وَلِأَنَّ وَلَدَ الْإِنْسَانِ بَعْضُهُ، وَهُوَ بَعْضُ وَالِدِهِ، فَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ كَذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِ وَأَصْلِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْأُمَّ تَجِبُ نَفَقَتُهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُنْفِقَ عَلَى وَلَدِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهَا، وَلَا لَهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَصَبَةً لِوَلَدِهَا. وَلَنَا، قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: ٨٣] . «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ سَأَلَهُ: مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ أُمَّك، ثُمَّ أُمَّك، ثُمَّ أُمَّك، ثُمَّ أَبَاك، ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّهَا أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ، فَأَشْبَهَتْ الْأَبَ، وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا قَرَابَةً تُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ، وَوُجُوبَ الْعِتْقِ، فَأَشْبَهْت الْأَبَ. فَإِنْ أَعْسَرَ الْأَبُ، وَجَبَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْأُمِّ، وَلَمْ تَرْجِعْ بِهَا عَلَيْهِ إنْ أَيْسَرَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: تَرْجِعُ عَلَيْهِ. وَلَنَا، أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ بِالْقَرَابَةِ، لَمْ يَرْجِعْ بِهِ، كَالْأَبِ.
[فَصْلٌ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا وَوَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلُوا]
(٦٤٨٨) فَصْلٌ: وَيَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا، وَوَلَدِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلُوا، وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجِبْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَلَا لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ لَيْسَ بِأَبٍ حَقِيقِيٍّ. وَلَنَا، قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] . وَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ اسْمِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ، بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: ١١] . فَيَدْخُلُ فِيهِمْ وَلَدُ الْبَنِينَ.
وَقَالَ تَعَالَى: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ. وَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute