للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ عَيَّنَ لَهُ عِوَضًا فَخَالَعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ. وَإِنْ خَالَعَ الْوَكِيلُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، لَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ، وَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ إنَّمَا أُذِنَ لَهُ فِي الْخُلْعِ، وَهُوَ إبَانَةُ الْمَرْأَةِ بِعِوَضٍ، وَمَا أَتَى بِهِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِطَلَاقٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، فِي " الْمُجَرَّدِ ". وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَسَوَاءٌ عَيَّنَ لَهُ الْعِوَضَ أَوْ أَطْلَقَ، وَذَكَرَ، فِي " الْجَامِعِ " أَنَّ الْخُلْعَ يَصِحُّ.

وَيَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْمُسَمَّى، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَرْأَةِ. هَذَا إذَا قُلْنَا: الْخُلْعُ بِلَا عِوَضٍ يَصِحُّ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ. لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، فَيَقَعُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً. وَاحْتَجَّ بِأَنَّ وَكِيلَ الزَّوْجَةِ لَوْ خَالَعَ بِذَلِكَ صَحَّ، فَكَذَلِكَ وَكِيلُ الزَّوْجِ. وَهَذَا الْقِيَاسُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ فَإِنَّ وَكِيلَ الزَّوْجِ يُوقِعُ الطَّلَاقَ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوقِعَهُ عَلَى غَيْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ، وَوَكِيلُ الزَّوْجَةِ لَا يُوقِعُ، وَإِنَّمَا يَقْبَلُ، وَلِأَنَّ وَكِيلَ الزَّوْجِ إذَا خَالَعَ عَلَى مُحَرَّمٍ، فَوَّتَ عَلَى مُوَكَّلِهِ الْعِوَضَ، وَوَكِيلُ الزَّوْجَةِ يُخَلِّصُهَا مِنْهُ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الصِّحَّةِ فِي مَوْضِعٍ يُخَلِّصُ مُوَكَّلَهُ مِنْ وُجُوبِ الْعِوَضِ عَلَيْهِ، الصِّحَّةُ فِي مَوْضِعٍ يُفَوِّتُهُ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ وَكِيلَ الزَّوْجَةِ لَوْ صَالَحَ بِدُونِ الْعِوَضِ الَّذِي قَدَّرَتْهُ لَهُ، صَحَّ وَلَزِمَهَا، وَلَوْ خَالَعَ وَكِيلُ الزَّوْجِ بِدُونِ الْعِوَضِ الَّذِي قَدَّرَهُ لَهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ، وَأَمَّا وَكِيلُ الزَّوْجَةِ فَلَهُ حَالَانِ؛: أَحَدُهُمَا، أَنْ تُقَدِّرَ لَهُ الْعِوَضَ، فَمَتَى خَالَعَ بِهِ فَمَا دُونَ، صَحَّ، وَلَزِمَهَا ذَلِكَ: لِأَنَّهُ زَادَهَا خَيْرًا، وَإِنْ خَالَعَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، صَحَّ وَلَمْ تَلْزَمْهَا الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْذَنْ فِيهَا، وَلَزِمَ الْوَكِيلَ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ لِلزَّوْجِ، فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ، كَالْمُضَارِبِ إذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ.

وَقَالَ الْقَاضِي، فِي " الْمُجَرَّدِ ": عَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَى وَكِيلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ، إنَّمَا يَقْبَلُهُ لِغَيْرِهِ. وَلَعَلَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا أَكْثَرُ مِمَّا بَذَلَتْهُ؛ لِأَنَّهَا مَا الْتَزَمَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَا وُجِدَ مِنْهَا تَغْرِيرٌ لِلزَّوْجِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ لِلزَّوْجِ أَيْضًا أَكْثَرُ مِمَّا بَذَلَ لَهُ الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ عِوَضًا، وَهُوَ عِوَضٌ صَحِيحٌ مَعْلُومٌ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ بَذَلَتْهُ الْمَرْأَةُ. الثَّانِي، أَنْ يُطْلِقَ الْوَكَالَةَ، فَيَقْتَضِي خُلْعَهَا بِمَهْرِهَا مِنْ جِنْسِ نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ خَالَعَهَا بِذَلِكَ فَمَا دُونَ، صَحَّ، وَلَزِمَهَا، وَإِنْ خَالَعَهَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ خَالَعَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا قَدَّرَتْ لَهُ، عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْقَوْلِ فِيهِ.

[فَصْلٌ اخْتَلَفَا فِي الْخُلْع فَادَّعَاهُ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ]

(٥٨١١) فَصْلٌ: إذَا اخْتَلَفَا فِي الْخُلْعِ، فَادَّعَاهُ الزَّوْجُ، وَأَنْكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ بَانَتْ بِإِقْرَارِهِ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهَا عِوَضًا؛ لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ، وَعَلَيْهَا الْيَمِينُ، وَإِنْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ، وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا عِوَضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>