مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَضْمَنُ مَا قَابَلَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ شَرِيكَانِ، لَضَمِنَ ثُلُثَيْ التَّالِفِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى فِي نَصِيبِ شَرِيكَيْهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ نِصْفُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِجِهَتَيْنِ، فَكَانَ الضَّمَانُ نِصْفَيْنِ، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ وَاحِدٌ جُرْحًا، وَجَرَحَهُ آخَرُ جُرْحَيْنِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْحَفْرِ، فَضَمِنَ الْوَاقِعَ فِيهَا، كَمَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَالشَّرِكَةُ أَوْجَبَتْ تَعَدِّيهِ بِجَمِيعِ الْحَفْرِ، فَكَانَ مُوجِبًا لِجَمِيعِ الضَّمَانِ. وَيَبْطُلُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ، بِمَا لَوْ حَفَرَهُ فِي طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ، فَإِنَّ لَهُ فِيهَا حَقًّا، وَمَعَ ذَلِكَ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ. وَالْحُكْمُ فِيمَا إذَا أَذِنَ لَهُ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِي الْحَفْرِ دُونَ بَعْضٍ، كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا حَفَرَ فِي مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يُبَاحُ الْحَفْرُ وَلَا التَّصَرُّفُ حَتَّى يَأْذَنَ الْجَمِيعُ.
[فَصْلٌ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِ إنْسَانٍ أَوْ وَضَعَ فِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]
(٦٨٧٦) فَصْلٌ: وَإِذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِ إنْسَانٍ، أَوْ وَضَعَ فِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ، فَأَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَوْ أَذِنَ فِيهِ ابْتِدَاءً لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ، فَإِذَا أَبْرَأَهُ مِنْ الضَّمَانِ، وَأَذِنَ فِيهِ، زَالَ عَنْهُ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ اقْتَرَنَ الْإِذْنُ بِالْحَفْرِ. وَالْآخَرُ، لَا يَنْتَفِي عَنْهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، فَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ بِالْإِبْرَاءِ، كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ، وَلِأَنَّ حُصُولَ الضَّمَانِ بِهِ لِكَوْنِهِ تَعَدَّى بِحَفْرِهِ، وَالْإِبْرَاءُ لَا يُزِيلُ ذَلِكَ، لِأَنَّ مَا مَضَى لَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ عَنْ الصِّفَةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ لَيْسَ يَحِقُّ لِلْمَالِكِ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ غَيْرُ الْمَالِكِ، وَلِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مِمَّا لَمْ يَجِبْ، فَلَمْ يَصِحّ، كَالْإِبْرَاءِ مِنْ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ.
[فَصْلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَحَفَرَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَعَلِمَ الْأَجِيرُ ذَلِكَ]
(٦٨٧٧) فَصْلٌ: وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا، فَحَفَرَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَعَلِمَ الْأَجِيرُ ذَلِكَ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْحَفْرِ، وَلَيْسَ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ بِأُجْرَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، فَتَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِهِ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ غَيْرُهُ بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ، فَتَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِهِ، كَالْإِثْمِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَحْفِرَ لَهُ فِي مِلْكِهِ بِئْرًا، أَوْ لِيَبْنِيَ لَهُ فِيهَا بِنَاءً، فَتَلِفَ الْأَجِيرُ بِذَلِكَ، لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُسْتَأْجِرُ، وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَيُشْبِهُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبِئْرُ جُبَارٌ» . وَلِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهُ، وَإِنَّمَا فَعَلَ الْأَجِيرُ بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ فِعْلًا أَفْضَى إلَى تَلَفِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute