[فَصْلٌ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ أَوْ حَرَّمَهُ]
(٨٠١٩) فَصْلٌ: وَإِذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ شَيْءٍ، أَوْ حَرَّمَهُ، لَمْ يَصِرْ مُحَرَّمًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِيرُ مُحَرَّمًا؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] . وَقَوْلِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] وَلِأَنَّ الْحِنْثَ يَتَضَمَّنُ هَتْكَ حُرْمَةِ الِاسْمِ الْمُعَظَّمِ، فَيَكُونُ حَرَامًا، وَلِأَنَّهُ إذَا حَرَّمَهُ، فَقَدْ حَرَّمَ الْحَلَالَ فَيَحْرُمُ كَمَا لَوْ حَرَّمَ زَوْجَتَهُ.
وَلَنَا، أَنَّهُ إذَا أَرَادَ التَّكْفِيرَ، فَلَهُ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَحَلُّ فِعْلِهِ مَعَ كَوْنِهِ مُحَرَّمًا تَنَاقُضٌ وَتَضَادٌّ، وَالْعَجَبُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُجَوِّزُ التَّكْفِيرَ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ، وَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى تَحِلَّةَ الْيَمِينِ، فَعَلَى قَوْلِهِ، يَلْزَمُ كَوْنُ الْمُحَرَّمِ مَفْرُوضًا، أَوْ مِنْ ضَرُورَةِ الْمَفْرُوضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى التَّحِلَّةِ إلَّا بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَهُوَ عِنْدَهُ مُحَرَّمٌ، وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحَرَّمًا، لَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، كَالظِّهَارِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْت غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك» .
فَأَمَرَ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا، لَمْ يَأْمُرْ بِهِ. وَسَمَّاهُ خَيْرًا، وَالْمُحَرَّمُ لَيْسَ بِخَيْرٍ، وَأَمَّا الْآيَةُ، فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَا قَوْلَهُ: هُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ. أَوْ مَنْعَ نَفْسِهِ مِنْهُ، وَذَلِكَ يُسَمَّى تَحْرِيمًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} [التوبة: ٣٧] . وَقَالَ: {وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ} [الأنعام: ١٤٠] وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ التَّحْرِيمُ حَقِيقَةً وَلَا شَرْعًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute