[مَسْأَلَة تَلْبِيَة رَسُول اللَّهِ]
(٢٣٠٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَك) هَذِهِ تَلْبِيَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ «تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَك» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَائِشَةَ، وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ. وَالتَّلْبِيَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ. إذَا لَزِمَهُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك وَأَمْرِك، غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا شَارِدٌ عَلَيْك. هَذَا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ، وَثَنَّوْهَا وَكَرَّرُوهَا؛ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ، كَمَا قَالُوا: حَنَانَيْكَ. أَيْ رَحْمَةً بَعْدَ رَحْمَةٍ، أَوْ رَحْمَةً مَعَ رَحْمَةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَهُ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَى التَّلْبِيَةِ إجَابَةُ نِدَاءِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، حِينَ نَادَى بِالْحَجِّ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا فَرَغَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ، قِيلَ لَهُ: أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ. فَقَالَ: رَبِّ وَمَا يَبْلُغُ صَوْتِي. قَالَ: أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ. فَنَادَى إبْرَاهِيمُ: أَيُّهَا النَّاسُ، كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ. قَالَ فَسَمِعَهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» . أَفَلَا تَرَى النَّاسَ يَجِيئُونَ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ يُلَبُّونَ. وَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ. بِكَسْرِ الْأَلِفِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَالْفَتْحُ جَائِزٌ، إلَّا أَنَّ الْكَسْرَ أَجْوَدُ. قَالَ ثَعْلَبٌ: مَنْ قَالَ أَنَّ بِفَتْحِهَا فَقَدْ خَصَّ، وَمَنْ قَالَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ فَقَدْ عَمَّ. يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَسَرَ جَعَلَ الْحَمْدَ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمِنْ فَتَحَ فَمَعْنَاهُ لَبَّيْكَ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ لَك، أَيْ لِهَذَا السَّبَبِ.
[فَصْل لَا تُسْتَحَبّ الزِّيَادَة عَلَى تَلْبِيَة رَسُولِ اللَّهِ وَلَا تَكْرَه]
فَصْلٌ: وَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا تُكْرَهُ. وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ جَابِرٍ: فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّوْحِيدِ: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك، وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَك) . وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ، وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَلْبِيَتَهُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُلَبِّي بِتَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَزِيدُ مَعَ هَذَا: لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك وَالْعَمَلُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَزَادَ عُمَرُ: لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ، لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرْهُوبًا وَمَرْغُوبًا إلَيْك، لَبَّيْكَ. هَذَا مَعْنَاهُ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَيُرْوَى أَنَّ أَنَسًا كَانَ يَزِيدُ: لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا، تَعَبُّدًا وَرِقًّا.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ، وَلَا تُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَزِمَ تَلْبِيَتَهُ فَكَرَّرَهَا، وَلَمْ يَزِدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute