للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ، سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ. فَإِنْ كَانَ الْجَانِي أَبَاهُ، لَمْ يَقْتَصَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ. وَإِنْ جَنَى الْمُكَاتِبُ عَلَيْهِ، لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِعَبْدِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَبِ مَعَهُ حُكْمُ الْأَحْرَارِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ، وَجُعِلَتْ حُرِّيَّتُهُ مَوْقُوفَةً عَلَى حُرِّيَّتِهِ. قَالَ: وَلَا نَعْلَمُ مَوْضِعًا يَقْتَصُّ فِيهِ الْمَمْلُوكُ مِنْ مَالِكِهِ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ.

[فَصْلٌ جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ]

(٨٧٨٣) فَصْلٌ: وَإِذَا جُنِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ لَهُ، دُونَ سَيِّدِهِ، لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ؛ أَحَدُهَا، أَنَّ كَسْبَهُ لَهُ، وَذَلِكَ عِوَضٌ عَمَّا يَتَعَطَّلُ بِقَطْعِ يَدِهِ مِنْ كَسْبِهِ. وَالثَّانِي، أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ تَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ فِي النِّكَاحِ، لِتَعَلُّقِهِ بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا، كَذَلِكَ بَدَلُ الْعُضْوِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ السَّيِّدَ يَأْخُذُ مَالَ الْكِتَابَةِ بَدَلًا عَنْ نَفْسِ الْمُكَاتَبَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ عَنْهُ عِوَضًا آخَرَ. ثُمَّ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يَكُونَ الْجَانِي سَيِّدَهُ، فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ؛ لِمَعْنَيَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ حُرٌّ، وَالْمُكَاتَبَ عَبْدٌ. وَالثَّانِي، أَنَّهُ مَالِكُهُ، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْ الْمَالِكِ لِمَمْلُوكِهِ، وَلَكِنْ يَجِبُ الْأَرْشُ، وَلَا يَجِبُ إلَّا بِانْدِمَالِ الْجُرْحِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْجِنَايَات. وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَا تُؤْمَنُ سِرَايَتُهُ إلَى نَفْسِهِ، فَيَسْقُطُ أَرْشُهُ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إنْ سَرَى الْجُرْحُ إلَى نَفْسِهِ، انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ، وَكَانَ الْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ.

وَإِنْ انْدَمَلَ الْجُرْحُ، وَجَبَ أَرْشُهُ لَهُ عَلَى سَيِّده، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَقَدْ حَلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ، تَقَاصَّا، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَالِ الْكِتَابَةِ، أَوْ كَانَ النَّجْمُ لَمْ يَحِلَّ، لَمْ يَتَقَاصَّا، وَيُطَالِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَسْتَحِقُّهُ. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا عِوَضًا عَنْ الْآخَرِ، وَكَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. فَإِنْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا حَقَّهُ، ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى الْآخَرِ، عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ، جَازَ. وَإِنْ رَضِيَ الْمُكَاتَبُ بِتَعْجِيلِ الْوَاجِبِ لَهُ عَنْ مَا لَمْ يَحِلَّ مِنْ نُجُومِهِ، جَازَ إذَا كَانَ مِنْ جِنْس مَالِ الْكِتَابَةِ. الْحَالُ الثَّانِيَةُ، إذَا كَانَ الْجَانِي أَجْنَبِيًّا حُرًّا فَلَا قِصَاصَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَلَكِنْ يُنْظَرُ؛ إنْ سَرَى الْجُرْحُ إلَى نَفْسِهِ، انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ، وَعَلَى الْجَانِي قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ انْدَمَلَ الْجُرْحُ، فَعَلَيْهِ أَرْشُهُ لَهُ. فَإِنْ أَدَّى الْكِتَابَةَ، وَعَتَقَ، لَهُ ثُمَّ سَرَى الْجُرْحُ إلَى نَفْسِهِ، وَجَبَتْ دِيَتُهُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الضَّمَانِ بِحَالَةِ الِاسْتِقْرَارِ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ.

فَإِنْ كَانَ الْجَانِي السَّيِّدَ، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْوَرَثَةِ، لَمْ يَرِثْ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>