للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْل إذَا نَامَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ سَرَاوِيلُهُ]

(١٢٤) فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ يَدِ النَّائِمِ مُطْلَقَةً أَوْ مَشْدُودَةً بِشَيْءٍ، أَوْ فِي جِرَابٍ، أَوْ كَوْنِ النَّائِمِ عَلَيْهِ سَرَاوِيلُهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ. قَالَ أَبُو دَاوُد: سُئِلَ أَحْمَدُ إذَا نَامَ الرَّجُلُ وَعَلَيْهِ سَرَاوِيلُهُ؟ قَالَ: السَّرَاوِيلُ وَغَيْرُهُ وَاحِدٌ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا انْتَبَهَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا» . يَعْنِي أَنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ، فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِعُمُومِهِ.

وَلِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَعَلَّقَ عَلَى الْمَظِنَّةِ لَمْ يُعْتَبَرْ حَقِيقَةُ الْحِكْمَةِ، كَالْعِدَّةِ الْوَاجِبَةِ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ، تَجِبُ فِي حَقِّ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ، وَكَذَاك الِاسْتِبْرَاءُ، مَعَ أَنَّ احْتِمَالَ النَّجَاسَةِ لَا يَنْحَصِرُ فِي مَسِّ الْفَرْجِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْبَدَنِ بَثْرَةٌ أَوْ دُمَّلٌ، وَقَدْ يَحُكُّ جَسَدَهُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ دَمٌ بَيْنَ أَظْفَارِهِ، أَوْ يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ دَمٌ، وَقَدْ تَكُونُ نَجِسَةً قَبْلَ نَوْمِهِ فَيَنْسَى نَجَاسَتَهَا لِطُولِ نَوْمِهِ، عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَ الْغَسْلَ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ؛ لَا لِعِلَّةِ التَّنْجِيسِ، وَلِهَذَا لَمْ يَحْكُمْ بِنَجَاسَةِ الْيَدِ وَلَا الْمَاءِ، فَيَعُمُّ الْوُجُوبُ كُلَّ مَنْ تَنَاوَلَهُ الْخَبَرُ.

[فَصْل كَانَ الْقَائِمُ مِنْ نَوْمِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ كَافِرًا]

(١٢٥) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الْقَائِمُ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ كَافِرًا، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَالْمُسْلِمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ. وَالثَّانِي، أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْغَمْسِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْخِطَابِ، وَلَا خِطَابَ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ؛ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْغَسْلِ هَاهُنَا تَعَبُّدٌ، وَلَا تَعَبُّدَ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ؛ وَلِأَنَّ غَمْسَهُمْ لَوْ أَثَّرَ فِي الْمَاءِ لَأَثَّرَ فِي جَمِيعِ زَمَانِهِمْ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ الْمُزِيلَ مِنْ حُكْمِ الْمَنْعِ مِنْ شَرْطِهِ النِّيَّةُ، وَمَا هُمْ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَا نَعْلَمُ قَائِلًا بِذَلِكَ.

[فَصْل النَّوْمُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَمْرُ بِغَسْلِ الْيَدِ]

(١٢٦) فَصْلٌ: وَالنَّوْمُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَمْرُ بِغَسْلِ الْيَدِ مَا نَقَضَ الْوُضُوءَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ فِي النَّوْمِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ مَا زَادَ عَلَى نِصْفِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَائِتًا إلَّا بِذَلِكَ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ دَفَعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ لَا يَكُونُ بَائِتًا بِهَا، وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ دَمٌ، بِخِلَافِ مَنْ دَفَعَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَمَا ذَكَرَهُ يَبْطُلُ بِمَا إذَا جَاءَ مُزْدَلِفَةَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بَائِتًا بِهَا، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا بَاتَ بِهَا دُونَ النِّصْفِ.

[فَصْل غَسْلُ الْيَدَيْنِ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ]

(١٢٧) فَصْلٌ: وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ تَعَبُّدِيَّةٌ، فَأَشْبَهَ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ. وَالثَّانِي: لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِوَهْمِ النَّجَاسَةِ، وَلَا تُعْتَبَرُ فِي غَسْلِهَا النِّيَّةُ؛ وَلِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْغَسْلُ، وَقَدْ أَتَى بِهِ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي حُصُولَ الْإِجْزَاءِ بِهِ. وَلَا يَفْتَقِرُ الْغَسْلُ إلَى تَسْمِيَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>