وَحَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ، لَمَّا كَانَتَا مُسْتَحَاضَتَيْنِ بِتَأْخِيرِ الظُّهْرِ وَتَعْجِيلِ الْعَصْرِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِغُسْلٍ وَاحِدٍ. فَأَبَاحَ لَهُمَا الْجَمْعَ لِأَجْلِ الِاسْتِحَاضَةِ. وَأَخْبَارُ الْمَوَاقِيتِ مَخْصُوصَةٌ بِالصُّوَرِ الَّتِي أَجْمَعْنَا عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ فِيهَا، فَيُخَصُّ مِنْهَا مَحَلُّ النِّزَاعِ بِمَا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ الْمَرَضُ الْمُبِيحُ لِجَمْعِ الصَّلَاة]
(١٢٦١) فَصْلٌ: وَالْمَرَضُ الْمُبِيحُ لِلْجَمْعِ هُوَ مَا يَلْحَقهُ بِهِ بِتَأْدِيَةِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا مَشَقَّةٌ وَضَعْفٌ. قَالَ الْأَثْرَمُ، قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الْمَرِيضُ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ؟ فَقَالَ: إنِّي لِأَرْجُوَ لَهُ ذَلِكَ إذَا ضَعُفَ، وَكَانَ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ يَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ، وَلِمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمَا؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ الْمَرِيضُ مُخَيَّر فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَالْمُسَافِرِ فِي جَمْعِ الصَّلَاةِ]
فَصْلٌ: وَالْمَرِيضُ مُخَيَّرٌ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَالْمُسَافِرِ. فَإِنْ اسْتَوَى عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ فَالتَّأْخِيرُ أَوْلَى؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُسَافِرِ، فَأَمَّا الْجَمْعُ لِلْمَطَرِ فَإِنَّمَا يَجْمَعُ فِي وَقْتِ الْأُولَى، لِأَنَّ السَّلَفَ إنَّمَا كَانُوا يَجْمَعُونَ فِي وَقْتِ الْأُولَى، وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأُولَى إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ يُفْضِي إلَى لُزُومِ الْمَشَقَّةِ، وَالْخُرُوجِ فِي الظُّلْمَةِ، أَوْ طُولِ الِانْتِظَارِ فِي الْمَسْجِدِ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ لِلْمَغْرِبِ، فَإِذَا حَبَسَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، كَانَ أَشَقَّ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا، وَرُبَّمَا يَزُولُ الْعُذْرُ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الْأُولَى، فَيَبْطُلُ الْجَمْعُ وَيَمْتَنِعُ.
وَإِنْ اخْتَارُوا تَأْخِيرَ الْجَمْعِ، جَازَ. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْأُولَى عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا شَيْئًا. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْمَطَرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، إذَا اخْتَلَطَ الظَّلَامُ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، كَذَا صَنَعَ ابْنُ عُمَرَ. قَالَ الْأَثْرَمُ: وَحَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ أُمَرَاؤُنَا إذَا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الْمَطِيرَةِ أَبْطَئُوا بِالْمَغْرِبِ، وَعَجَّلُوا الْعِشَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي مَعَهُمْ، وَلَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَرَأَيْت الْقَاسِمَ وَسَالِمًا يُصَلِّيَانِ مَعَهُمْ، فِي مِثْلِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ.
قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَكَأَنَّ سُنَّةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْمَطَرِ عِنْدَك أَنْ يُجْمَعَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَفِي السَّفَرِ يُؤَخَّرُ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ. قَالَ: نَعَمْ.
[فَصْلٌ الْجَمْعُ لِغَيْرِ عُذْرٍ]
(١٢٦٣) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ لِغَيْرِ مَنْ ذَكَرْنَا. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: يَجُوزُ إذَا كَانَتْ حَاجَةٌ أَوْ شَيْءٌ، مَا لَمْ يَتَّخِذْهُ عَادَةً؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ.» فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ.
وَلَنَا، عُمُومُ أَخْبَارِ التَّوْقِيتِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَمَلْنَاهُ عَلَى حَالَةِ الْمَرَضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مَنْ عَلَيْهِ