عَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ، فَلَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ، إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» . وَقَالَ: «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» أَخْرَجَهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُقْتَضَى نَهْيِهِ التَّحْرِيمُ، وَقَدْ تَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِنَارِ جَهَنَّمَ فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: " تُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ ". أَيْ هَذَا سَبَبٌ لِنَارِ جَهَنَّمَ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: ١٠] فَلَمْ يَبْقَ فِي تَحْرِيمِهِ إشْكَالٌ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ حُذَيْفَةَ اسْتَسْقَى، فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ بِإِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ، فَرَمَاهُ بِهِ فَلَوْ أَصَابَهُ لَكَسَرَ مِنْهُ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا رَمَيْتُهُ بِهِ؛ لِأَنَّنِي نَهَيْتُهُ عَنْهُ، وَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ التَّحْرِيمَ مِنْ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى اسْتَحَلَّ عُقُوبَتَهُ، لِمُخَالَفَتِهِ إيَّاهُ.
[فَصْلٌ اتِّخَاذُ الْآنِيَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاسْتِصْنَاعُهَا]
(٧٣٦٩) فَصْلٌ: وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُ الْآنِيَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَاسْتِصْنَاعُهَا؛ لِأَنَّ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ، حَرُمَ اتِّخَاذُهُ عَلَى هَيْئَةِ الِاسْتِعْمَالِ، كَالطُّنْبُورِ، وَالْمِزْمَارِ. وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ؛ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ؛ وَلِأَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِهَا السَّرَفُ وَالْخُيَلَاءُ وَكَسْرُ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَهَذَا مَعْنًى يَشْمَلُ الْفَرِيقَيْنِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ التَّحَلِّي لِلْحَاجَةِ إلَى التَّزَيُّنِ لِلْأَزْوَاجِ، فَتَخْتَصُّ الْإِبَاحَةُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَا ذَكَرْتُمْ، لَحَرُمَتْ آنِيَةُ الْيَاقُوتِ وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ أَرْفَعُ مِنْ الْأَثْمَانِ. قُلْنَا: تِلْكَ لَا يَعْرِفُهَا الْفُقَرَاءُ، فَلَا تَنْكَسِرُ قُلُوبُهُمْ بِاِتِّخَاذِ الْأَغْنِيَاءِ لَهَا، لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِهَا؛ وَلِأَنَّ قِلَّتَهَا فِي نَفْسِهَا تَمْنَعُ اتِّخَاذَهَا، فَيُسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ تَحْرِيمِهَا، بِخِلَافِ الْأَثْمَانِ.
[مَسْأَلَةٌ كَانَ قَدَحٌ عَلَيْهِ ضَبَّةٌ فَشَرِبَ مِنْ غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّبَّةِ]
(٧٣٧٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ كَانَ قَدَحٌ عَلَيْهِ ضَبَّةٌ، فَشَرِبَ مِنْ غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّبَّةِ، فَلَا بَأْسَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الضَّبَّةَ مِنْ الْفِضَّةِ تُبَاحُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ؛ أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ يَسِيرَةً. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مِنْ الْفِضَّةِ، فَأَمَّا الذَّهَبُ: فَلَا يُبَاحُ، وَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ رَخَّصَ فِي يَسِيرِ الذَّهَبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute