للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَقِيبَ تَزْوِيجِهِ لَهَا؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي جَعَلَهَا ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ، وَمَحَلًّا لَهُ، وَكَانَ سَبِيلُهُ أَنْ تَقَعَ فِي أَوَّلِهَا، فَمَنَعَ مِنْهُ كَوْنُهَا غَيْرَ مَحَلٍّ لِطَلَاقِهِ؛ لِعَدَمِ نِكَاحِهِ حِينَئِذٍ، فَإِذَا عَادَتْ الزَّوْجِيَّةُ، وَقَعَ فِي أَوَّلِهَا. وَقَالَ الْقَاضِي: تَطْلُقُ بِدُخُولِ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ. وَعَلَى قَوْلِ التَّمِيمِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ، تَنْحَلُّ الصِّفَةُ بِوُجُودِهَا فِي حَالِ الْبَيْنُونَةِ، فَلَا تَعُودُ بِحَالٍ.

وَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا حَتَّى دَخَلْت السَّنَةُ الثَّالِثَةُ، ثُمَّ نَكَحَهَا، طَلَقَتْ عَقِيبَ تَزْوِيجِهَا، ثُمَّ طَلَقَتْ الثَّالِثَةَ بِدُخُولِ السَّنَةِ الرَّابِعَةِ. وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، لَا تَطْلُقُ إلَّا بِدُخُولِ الرَّابِعَةِ، ثُمَّ تَطْلُقُ الثَّالِثَةَ بِدُخُولِ الْخَامِسَةِ. وَعَلَى قَوْلِ التَّمِيمِيِّ، قَدْ انْحَلَّتْ الصِّفَةُ. وَاخْتُلِفَ فِي مَبْدَإِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ؛ فَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، أَنَّ أَوَّلَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ حِينِ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ حِينَ يَمِينِهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: ابْتِدَاءُ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ أَوَّلُ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّهَا السَّنَةُ الْمَعْرُوفَةُ، فَإِذَا عَلَّقَ مَا يَتَكَرَّرُ عَلَى تَكَرُّرِ السِّنِينَ، انْصَرَفَ إلَى السِّنِينَ الْمَعْرُوفَةِ، كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ} [التوبة: ١٢٦] .

وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِالسَّنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا؛ قُبِلَ؛ لِأَنَّهَا سَنَةٌ حَقِيقَةً. وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت أَنَّ ابْتِدَاءَ السِّنِينَ أَوَّلُ السَّنَةِ الْجَدِيدَةِ مِنْ الْمُحَرَّمِ. دُيِّنَ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ.

[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا رَأَيْت هِلَالَ رَمَضَان]

(٥٩١٨) فَصْلٌ: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا رَأَيْتُ هِلَالَ رَمَضَانَ طَلَقَتْ بِرُؤْيَةِ النَّاسِ لَهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَطْلُقُ إلَّا أَنْ يَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى رُؤْيَةِ زَيْدٍ. وَلَنَا، أَنَّ الرُّؤْيَةَ لِلْهِلَالِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ الْعِلْمُ بِهِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالِ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا» . وَالْمُرَادُ بِهِ رُؤْيَةُ الْبَعْضِ، وَحُصُولُ الْعِلْمِ، فَانْصَرَفَ لَفْظُ الْحَالِفِ إلَى عُرْفِ الشَّرْعِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إذَا صَلَّيْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ، لَا إلَى الدُّعَاءِ. وَفَارَقَ رُؤْيَةَ زَيْدٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ عُرْفٌ شَرْعِيٌّ يُخَالِفُ الْحَقِيقَةَ.

وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ، لَكِنْ ثَبَتَ الشَّهْرُ بِتَمَامِ الْعَدَدِ طَلَقَتْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ طُلُوعَهُ بِتَمَامِ الْعَدَدِ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ إذَا رَأَيْتُهُ بِعَيْنِي. قُبِلَ؛ لِأَنَّهَا رُؤْيَةٌ حَقِيقَةً. وَتَتَعَلَّقُ الرُّؤْيَةُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بَعْدَ الْغُرُوبِ، فَإِنْ رَأَى قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ هِلَالَ الشَّهْرِ مَا كَانَ فِي أَوَّلِهِ، وَلِأَنَّنَا جَعَلْنَا رُؤْيَةَ الْهِلَالِ عِبَارَةً عَنْ دُخُولِ أَوَّلِ الشَّهْرِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَطْلُقْ بِرُؤْيَتِهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى رُؤْيَةً، وَالْحُكْمُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فِي الشَّرْعِ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ إذَا رَأَيْتُهُ أَنَا بِعَيْنِي. فَلَمْ يَرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>