حَقًّا، فَأَنْكَرَهُ، فَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ، فَشَهِدَا لَهُ، فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: وَاَلَّذِي بِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَقَدْ كَذَبَا عَلَيَّ فِي الشَّهَادَةِ.
وَكَانَ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا، وَقَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ الطَّيْرَ لَتَخْفِقُ بِأَجْنِحَتِهَا، وَتَرْمِي مَا فِي حَوَاصِلِهَا، مِنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ شَاهِدَ الزُّورِ لَا تَزُولُ قَدَمَاهُ حَتَّى يَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» . فَإِنْ صَدَقْتُمَا فَاثْبُتَا، وَإِنْ كَذَبْتُمَا فَغَطِّيَا رُءُوسَكُمَا وَانْصَرِفَا. فَغَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَانْصَرَفَا.
[مَسْأَلَةٌ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا عَدْلًا]
(٨٢٦٢) مَسْأَلَةٌ، قَالَ: (وَيَكُونُ كَاتِبُهُ عَدْلًا، وَكَذَلِكَ قَاسِمُهُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَكْتَبَ زِيدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَغَيْرَهُ، وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ تَكْثُرُ أَشْغَالُهُ وَنَظَرُهُ، فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَوَلَّى الْكِتَابَةَ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ تَوَلِّي الْكِتَابَةِ بِنَفْسِهِ، جَازَ، وَالِاسْتِنَابَةُ فِيهِ أَوْلَى.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي ذَلِكَ إلَّا عَدْلًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَوْضِعُ أَمَانَةٍ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا؛ لِيَعْرِفَ مَوَاقِعَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَحْكَامُ، وَيُفَرِّقَ بَيْنَ الْجَائِزِ وَالْوَاجِبِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَافِرَ الْعَقْلِ، وَرِعًا، نَزِهًا؛ لِئَلَّا يُسْتَمَالَ بِالطَّمَعِ، وَيَكُونَ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى قَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا} [آل عمران: ١١٨] وَيُرْوَى أَنَّ أَبَا مُوسَى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعَهُ كَاتِبٌ نَصْرَانِيٌّ، فَأَحْضَرَ أَبُو مُوسَى شَيْئًا مِنْ مَكْتُوبَاتِهِ عِنْدَ عُمَرَ، فَاسْتَحْسَنَهُ، وَقَالَ: قُلْ لِكَاتِبِك يَجِيءُ، فَيَقْرَأُ كِتَابَهُ. قَالَ: إنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: إنَّهُ نَصْرَانِيٌّ. فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ، وَقَالَ: لَا تَأْتَمِنُوهُمْ، وَقَدْ خَوَّنَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا تُقَرِّبُوهُمْ، وَقَدْ أَبْعَدَهُمْ اللَّهُ - تَعَالَى، وَلَا تُعِزُّوهُمْ، وَقَدْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ مِنْ شُرُوطِ الْعَدَالَةِ، وَالْعَدَالَةُ شَرْطٌ.
، وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: فِي اشْتِرَاطِ عَدَالَتِهِ وَإِسْلَامِهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، تُشْتَرَطُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَالثَّانِي، لَا تُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ مَا يَكْتُبُهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوفِ الْقَاضِي عَلَيْهِ، فَتُؤْمَنُ الْخِيَانَةُ فِيهِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ جَيِّدَ الْخَطِّ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ.
وَأَنْ يَكُونَ حُرًّا؛ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ. وَإِنْ كَانَ عَبْدًا، جَازَ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْعَبْدِ جَائِزَةٌ. وَيَكُونَ الْقَاسِمُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي الْكَاتِبِ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ حَاسِبًا؛ لِأَنَّهُ عَمَلُهُ، وَبِهِ يَقْسِمُ، فَهُوَ كَالْحَظِّ لِلْكَاتِبِ وَالْفِقْهِ لِلْحَاكِمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute