بَاعَ النِّصَابَ بِدُونِ النِّصَابِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَتَانِ فَبَاعَهُمَا بِمِائَةٍ فَعَلَيْهِ زَكَاةُ مِائَةٍ وَحْدَهَا.
[مَسْأَلَةُ أَبْدَلَ الْمُزَكِّي نِصَابًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ]
(١٨٠٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَكَذَلِكَ إنْ أَبْدَلَ عِشْرِينَ دِينَارًا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، لَمْ تَبْطُلْ الزَّكَاةُ بِانْتِقَالِهَا) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى أَبْدَلَ نِصَابًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، انْقَطَعَ حَوْلُ الزَّكَاةِ وَاسْتَأْنَفَ حَوْلًا، إلَّا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ، أَوْ عُرُوضَ التِّجَارَةِ؛ لِكَوْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَالْمَالِ الْوَاحِدِ، إذْ هُمَا أُرُوشُ الْجِنَايَاتِ، وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ، وَيَضُمُّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ.
وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ بِنِصَابٍ مِنْ الْأَثْمَانِ، أَوْ بَاعَ عَرْضًا بِنِصَابٍ، لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي قِيمَةِ الْعُرُوضِ، لَا فِي نَفْسِهَا، وَالْقِيمَةُ هِيَ الْأَثْمَانُ، فَكَانَا جِنْسًا وَاحِدًا. وَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ، لَمْ يُبْنَ حَوْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى حَوْلِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُمَا مَالَانِ لَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ، فَلَمْ يُبْنَ حَوْلُهُ عَلَى حَوْلِهِ، كَالْجِنْسَيْنِ مِنْ الْمَاشِيَةِ. وَأَمَّا عُرُوضُ التِّجَارَةِ، فَإِنَّ حَوْلَهَا يُبْنَى عَلَى حَوْلِ الْأَثْمَانِ بِكُلِّ حَالٍ.
[مَسْأَلَةُ كَانَتْ عِنْدَهُ مَاشِيَةٌ فَبَاعَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِدَرَاهِم فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ]
(١٨٠٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَاشِيَةٌ، فَبَاعَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِدَرَاهِمَ، فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ، لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ عَنْهُ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ إبْدَالَ النِّصَابِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ يَقْطَعُ الْحَوْلَ، وَيَسْتَأْنِفُ حَوْلًا آخَرَ. فَإِنْ فَعَلَ هَذَا فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ، لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُبْدَلُ مَاشِيَةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ النُّصُبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ النِّصَابِ، قَصْدًا لِلتَّنْقِيصِ، لِتَسْقُطَ عَنْهُ الزَّكَاةُ، لَمْ تَسْقُطْ، وَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ، إذَا كَانَ إبْدَالُهُ وَإِتْلَافُهُ عِنْدَ قُرْبِ الْوُجُوبِ. وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ، لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَظِنَّةٍ لِلْفِرَارِ.
وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِهِ، فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ لِحَاجَتِهِ.
وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: ١٧] {وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم: ١٨] {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ} [القلم: ١٩] {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم: ٢٠] . فَعَاقَبَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ، لِفِرَارِهِمْ مِنْ الصَّدَقَةِ، وَلِأَنَّهُ قَصَدَ إسْقَاطَ نَصِيبِ مَنْ انْعَقَدَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ قَصْدًا فَاسِدًا، اقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ مُعَاقَبَتَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، كَمَنْ قَتَلَ مَوْرُوثَهُ لِاسْتِعْجَالِ مِيرَاثِهِ، عَاقَبَهُ الشَّرْعُ بِالْحِرْمَانِ، وَإِذَا أَتْلَفَهُ لِحَاجَتِهِ، لَمْ يَقْصِدْ قَصْدًا فَاسِدًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute