الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ فِي الْآخَرِ: تَطْلُقُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ التَّكْرَارَ يَكُونُ لِلتَّأْكِيدِ وَالْإِفْهَامِ، وَيَحْتَمِلُ الْإِيقَاعَ، فَلَا تُوقَعُ طَلْقَةٌ بِالشَّكِّ.
وَلَنَا، أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لِلْإِيقَاعِ، وَيَقْتَضِي الْوُقُوعَ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ مِثْلُهُ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ عَنْ ذَلِكَ بِنِيَّةِ التَّأْكِيدِ وَالْإِفْهَامِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ وَقَعَ مُقْتَضَاهُ، كَمَا يَجِب الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ. فِي الْعَامِّ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمُخَصِّصُ، وَبِالْإِطْلَاقِ فِي الْمُطْلَقِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمُقَيِّدُ. فَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَلَا تَطْلُقُ إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً، سَوَاءٌ نَوَى الْإِيقَاعَ أَوْ غَيْرَهُ، وَسَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ مُنْفَصِلًا، أَوْ مُتَّصِلًا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، وَعِكْرِمَةَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْحَكَمِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَابْن الْمُنْذِرِ. وَذَكَرُهُ الْحَكَمُ عَنْ عَلِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ يَقَعُ بِهَا تَطْلِيقَتَانِ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، طَلُقَتْ ثَلَاثًا، إذَا كَانَ مُتَّصِلًا؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَ ثَلَاثًا بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ، أَشْبَهَ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. وَلَنَا، أَنَّهُ طَلَاقٌ مُفَرَّقٌ، فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَلَمْ تَقَعْ الْأُولَى، كَمَا لَوْ فَرَّقَ كَلَامَهُ، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا تَبِينُ بِطَلْقَةٍ، لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، فَتُصَادِفُهَا الطَّلْقَةُ الثَّانِيَةُ بَائِنًا، فَلَمْ يُمْكِنْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ زَوْجَةٍ، وَإِنَّمَا تَطْلُق الزَّوْجَةُ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَة، وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي عَصْرِهِمْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا.
[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ مَضَى زَمَنٌ طَوِيلٌ ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا]
(٦٠٠٥) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ. ثُمَّ مَضَى زَمَنٌ طَوِيلٌ، ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا، طَلُقَتْ ثَانِيَةً، وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ: نَوَيْت التَّوْكِيدَ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيدَ تَابِعٌ لِلْكَلَامِ، فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِهِ، كَسَائِرِ التَّوَابِعِ؛ مِنْ الْعِطْفِ، وَالصِّفَةِ، وَالْبَدَلِ.
[فَصْلٌ كُلُّ طَلَاقٍ يَتَرَتَّبُ فِي الْوُقُوعِ وَيَأْتِي بَعْضُهُ بَعْدَ بَعْضٍ لَا يَقَعُ بِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ]
فَصْلٌ: وَكُلُّ طَلَاقٍ يَتَرَتَّبُ فِي الْوُقُوعِ، وَيَأْتِي بَعْضُهُ بَعْدَ بَعْضٍ، لَا يَقَعُ بِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَيَقَعُ بِالْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ إذَا أَوْقَعَهَا، مِثْل قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَطَالِقٌ، فَطَالِقٌ. أَوْ: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ طَالِقٌ، ثُمَّ طَالِقٌ. أَوْ: أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ وَطَالِقٌ. أَوْ: فَطَالِقٌ. وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حُرُوفٌ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، فَتَقَعُ بِهَا الْأُولَى فَتُبِينُهَا، فَتَأْتِي الثَّانِيَةُ فَتُصَادِفُهَا بَائِنًا غَيْرَ زَوْجَةٍ، فَلَا تَقَعُ بِهَا. وَأَمَّا الْمَدْخُولُ بِهَا، فَتَأْتِي الثَّانِيَةُ فَتُصَادِفُ مَحَلَّ النِّكَاحِ، فَتَقَعُ، وَكَذَلِكَ الثَّالِثَةُ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، بَلْ، طَالِقٌ، وَطَالِقٌ. ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً قَبْلَ طَلْقَةٍ. أَوْ: بَعْدَ طَلْقَةٍ. أَوْ بَعْدَهَا طَلْقَةٌ. أَوْ: طَلْقَةً فَطَلْقَةً. أَوْ: طَلْقَةً ثُمَّ طَلْقَةً. وَقَعَ بِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا طَلْقَةٌ، وَبِالْمَدْخُولِ بِهَا طَلْقَتَانِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي طَلْقَةً بَعْدَ طَلْقَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute