وَلَنَا أَنَّهَا إذَا أُعْتِقَتْ وَهِيَ رَجْعِيَّةٌ، فَقَدْ وُجِدَتْ الْحُرِّيَّةُ، وَهِيَ زَوْجَةٌ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ لَوْ مَاتَ، فَوَجَبَ أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ، كَمَا لَوْ أُعْتِقَتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ. وَإِنْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ بَائِنٌ، فَلَمْ تُوجَدْ الْحُرِّيَّةُ فِي الزَّوْجِيَّةِ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْحَرَائِرِ، كَمَا لَوْ أُعْتِقَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْقُرْأَيْنِ. وَلِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ لَوْ مَاتَ، فَتَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ، وَالْبَائِنُ لَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ، فَلَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ، كَمَا لَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ لِمَالِكٍ يَبْطُلُ بِمَا إذَا مَاتَ زَوْجُ الرَّجْعِيَّةِ، فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَ مَا إذَا حَاضَتْ الصَّغِيرَةُ، أَنَّ الشُّهُورَ بَدَلٌ عَنْ الْحَيْضِ، فَإِذَا وُجِدَ الْمُبْدَلُ، زَالَ حُكْمُ الْبَدَلِ، كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَاهُنَا، فَإِنْ عِدَّةَ الْأَمَةِ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ، وَلِذَلِكَ تَبْنِي الْأَمَةُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا اتِّفَاقًا، وَإِذَا حَاضَتْ الصَّغِيرَةُ اسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ فَافْتَرَقَا، وَتُخَالِفُ الِاسْتِبْرَاءَ؛ فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ لَوْ قَارَنَتْ سَبَبَ وُجُوبِهِ، لَمْ تَكْمُلْ، أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا عَتَقَتْ لِمَوْتِهِ، وَوَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ، كَمَا يَجِبُ عَلَى الَّتِي لَمْ تَعْتِقْ، وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَا يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
[فَصْلٌ عَتَقَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ الْعَبْدِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا]
(٦٣١٨) فَصْلٌ: إذَا عَتَقَتْ الْأَمَةُ تَحْتَ الْعَبْدِ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا وَهِيَ حُرَّةٌ. وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، أَمَرَ بَرِيرَةَ أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْحُرَّةِ.» وَإِنْ طَلَّقَهَا الْعَبْدُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا، فَأَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا، بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ الْحُرَّةِ. سَوَاءٌ فَسَخَتْ، أَوْ أَقَامَتْ عَلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ رَجْعِيَّةٍ.
وَإِنْ لَمْ تَفْسَخْ، فَرَاجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا، فَلَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ رَجْعَتِهَا، فَإِنْ اخْتَارَتْ الْفَسْخَ قَبْلَ الْمَسِيسِ، فَهَلْ تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ، أَمْ تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا؟ . عَلَى وَجْهَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا: تَسْتَأْنِفُ. فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةَ حُرَّةٍ. وَإِنْ قُلْنَا: تَبْنِي. بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ حُرَّةٍ.
[مَسْأَلَة طَلَّقَهَا وَهِيَ مِمَّنْ قَدْ حَاضَتْ فَارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ]
(٦٣١٩) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَإِذَا طَلَّقَهَا وَهِيَ مِمَّنْ قَدْ حَاضَتْ، فَارْتَفَعَ حَيْضُهَا، لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ، اعْتَدَّتْ سَنَةً وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ الرَّجُلَ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ، فَلَمْ تَرَ الْحَيْضَ فِي عَادَتِهَا، وَلَمْ تَدْرِ مَا رَفَعَهُ، فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ سَنَةً؛ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ مِنْهَا تَتَرَبَّصُ فِيهَا لِتَعْلَمَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ هِيَ غَالِبُ مُدَّةُ الْحَمْلِ، فَإِذَا لَمْ يَبْنِ الْحَمْلُ فِيهَا، عُلِمَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ ظَاهِرًا، فَتَعْتَدَّ بَعْدَ ذَلِكَ عِدَّةَ الْآيِسَاتِ، ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. هَذَا قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا قَضَاءُ عُمَرَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، لَا يُنْكِرُهُ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ عَلِمْنَاهُ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ آخَرَ: تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ، أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ، ثُمَّ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ هِيَ الَّتِي يُتَيَقَّنُ بِهَا بَرَاءَةُ رَحِمِهَا، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا احْتِيَاطًا. وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: تَكُونُ فِي عِدَّةٍ أَبَدًا، حَتَّى تَحِيضَ، أَوْ تَبْلُغَ سِنَّ الْإِيَاسِ، تَعْتَدُّ حِينَئِذٍ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute