لِأَنَّهُمْ يَشْتَغِلُونَ بِالنَّهَارِ بِرَعْيِ الْمَوَاشِي وَحِفْظِهَا، وَأَهْلُ السِّقَايَةِ هُمْ الَّذِينَ يَسْقُونَ مِنْ بِئْرِ زَمْزَمَ لِلْحَاجِّ، فَيَشْتَغِلُونَ بِسِقَايَتِهِمْ نَهَارًا، فَأُبِيحَ لَهُمْ الرَّمْيُ فِي وَقْتِ فَرَاغِهِمْ، تَخْفِيفًا عَلَيْهِمْ، فَيَجُوزُ لَهُمْ رَمْيُ كُلِّ يَوْمٍ فِي اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، فَيَرْمُونَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فِي لَيْلَةِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَرَمْيُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِي لَيْلَةِ الثَّانِي، وَرَمْيُ الثَّانِي فِي لَيْلَةِ الثَّالِثِ، وَالثَّالِثِ إذَا أَخَّرُوهُ إلَى الْغُرُوبِ سَقَطَ عَنْهُمْ، كَسُقُوطِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ. قَالَ عَطَاءٌ: لَا يَرْمِي اللَّيْلَ إلَّا رِعَاءُ الْإِبِلِ، فَأَمَّا التُّجَّارُ فَلَا. وَكَانَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، يَقُولُونَ: مَنْ نَسِيَ الرَّمْيَ إلَى اللَّيْلِ، رَمَى، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، مِنْ الرُّعَاةِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ.
[مَسْأَلَة لِلرُّعَاةِ أَنْ يُؤَخِّرُوا الرَّمْيَ]
(٢٦٣٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمُبَاحٌ لِلرُّعَاةِ أَنْ يُؤَخِّرُوا الرَّمْيَ، فَيَقْضُوهُ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرُّعَاةِ تَرْكُ الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِي مِنًى، وَيُؤَخِّرُونَ رَمْيَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَيَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ عَنْ الرَّمِيَّيْنِ جَمِيعًا؛ لِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي الْمَبِيتِ وَالْإِقَامَةِ لِلرَّمْيِ. وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُوا رَمْيَ يَوْمَيْنِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، يَرْمُونَهُ فِي أَحَدِهِمَا.» قَالَ مَالِكٌ: ظَنَنْت أَنَّهُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُمَا، ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: رُخِّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا، وَيَدَعُوا يَوْمًا. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي أَهْلِ سِقَايَةِ الْحَاجِّ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ، «أَنَّ الْعَبَّاسَ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى، مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الرِّعَاءِ، وَأَهْلِ السِّقَايَةِ، أَنَّ الرِّعَاءَ إذَا قَامُوا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَزِمَهُمْ الْبَيْتُوتَةُ، وَأَهْلُ السِّقَايَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرُّعَاةَ إنَّمَا رَعْيُهُمْ بِالنَّهَارِ، فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ انْقَضَى وَقْتُ الرَّعْيِ، وَأَهْلُ السِّقَايَةِ يَشْتَغِلُونَ لَيْلًا وَنَهَارًا، فَافْتَرَقَا، وَصَارَ الرِّعَاءُ كَالْمَرِيضِ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ تَرْكُ الْجُمُعَةِ لِمَرَضِهِ، فَإِذَا حَضَرَهَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ، وَالرِّعَاءُ أُبِيحَ لَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ لِأَجْلِ الرَّعْيِ، فَإِذَا فَاتَ وَقْتُهُ وَجَبَ الْمَبِيتُ.
[فَصْلٌ الْمَبِيت بِمِنِّي لِأَهْلِ الْأَعْذَار]
(٢٦٣٥) فَصْلٌ: وَأَهْلُ الْأَعْذَارِ مِنْ غَيْرِ الرِّعَاءِ، كَالْمَرْضَى، وَمَنْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ، وَنَحْوِهِمْ، كَالرِّعَاءِ فِي تَرْكِ الْبَيْتُوتَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ لِهَؤُلَاءِ تَنْبِيهًا عَلَى غَيْرِهِمْ، أَوْ نَقُولُ: نَصَّ عَلَيْهِ لِمَعْنًى وُجِدَ فِي غَيْرِهِمْ، فَوَجَبَ إلْحَاقُهُ بِهِمْ.
[فَصْلٌ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ]
(٢٦٣٦) فَصْلٌ: إذَا كَانَ الرَّجُلُ مَرِيضًا، أَوْ مَحْبُوسًا، أَوْ لَهُ عُذْرٌ، جَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: إذَا رُمِيَ عَنْهُ الْجِمَارُ، يَشْهَدُ هُوَ ذَاكَ أَوْ يَكُونُ فِي رَحْلِهِ؟ قَالَ: يُعْجِبُنِي أَنْ يَشْهَدَ ذَاكَ إنْ قَدَرَ حِينَ يُرْمَى عَنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute