[فَصْلٌ قَالَ إنْ أَمَرْتُك فَخَالَفْتنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ نَهَاهَا فَخَالَفَتْهُ]
(٥٩٩٣) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: إنْ أَمَرْتُك فَخَالَفْتنِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ. ثُمَّ نَهَاهَا، فَخَالَفَتْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَحْنَثُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ نَهْيَهُ لَا أَمْرَهُ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْنَثُ، إذَا قَصَدَ أَنْ لَا تُخَالِفَهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّمَا يُرِيدُ نَفْيَ الْمُخَالَفَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَطْلُقَ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيَ عَنْهُ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، فَقَدْ خَالَفَتْ أَمْرَهُ. وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ نَهَيْتنِي عَنْ نَفْعِ أُمِّي، فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَقَالَتْ لَهُ: لَا تُعْطِهَا مِنْ مَالِي شَيْئًا. لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهَا مِنْ مَالِهَا لَا يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ النَّفْعُ بِهِ، فَيَكُونُ هَذَا النَّفْعُ مُحَرَّمًا، فَلَا يَتَنَاوَلُهُ يَمِينُهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْنَثَ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ، وَلَفْظُهُ عَامٌّ، فَيَدْخُلُ الْمُحَرَّمُ فِيهِ.
[فَصْلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْت إلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَرَجَتْ]
(٥٩٩٤) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ خَرَجْت إلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَخَرَجَتْ إلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ، طَلُقَتْ، سَوَاءٌ عَدَلَتْ إلَى الْحَمَّامِ، أَوْ لَمْ تَعْدِل. وَإِنْ خَرَجَتْ إلَى الْحَمَّامِ، ثُمَّ عَدَلَتْ إلَى غَيْرِهِ، فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْيَمِينِ الْمَنْعُ مِنْ غَيْرِ الْحَمَّامِ، فَكَيْفَمَا صَارَتْ إلَيْهِ حَنِثَ، كَمَا لَوْ خَالَفَتْ لَفْظَهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَيَتَنَاوَلُهُ لَفْظُهُ. وَإِنْ خَرَجَتْ إلَى الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ، وَجَمَعَتْهُمَا فِي الْقَصْدِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ إلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ، وَانْضَمَّ إلَيْهِ غَيْرُهُ، فَحِنْث بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا، فَكَلَّمَ زَيْدًا وَعَمْرًا. وَالثَّانِي، لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهَا مَا خَرَجَتْ إلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ، بَلْ الْخُرُوجُ مُشْتَرَكٌ.
وَنَقَلَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ سُئِلَ: إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ بَغْدَادَ إلَّا لِنُزْهَةٍ. فَخَرَجَ إلَى النُّزْهَةِ، ثُمَّ مَرَّ إلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: النُّزْهَةُ لَا تَكُونُ إلَى مَكَّةَ. فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ أَحْنَثَهُ، وَوَجْهُهُ مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ، فِي رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَأْتِي أَرْمِينِيَةَ إلَّا بِإِذْنِ امْرَأَتِهِ. فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت. فَقَالَ: لَا، حَتَّى تَقُولَ: إلَى أَرْمِينِيَةَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَتَى أَذِنَتْ لَهُ إذْنًا عَامًّا، لَمْ يَحْنَثْ. قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ، مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَضَبِ وَالْكَرَاهَةِ، وَلَوْ قَالَتْ هَذَا بِطِيبِ قَلْبِهَا، كَانَ إذْنًا مِنْهَا، وَلَهُ الْخُرُوجُ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظٍ عَامٍّ.
[فَصْلٌ حَلَفَ لِيَرْحَلَنَّ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ فَفَعَلَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا]
(٥٩٩٥) فَصْلٌ: فَإِنْ حَلَفَ لَيَرْحَلَنَّ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، أَوْ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ. فَفَعَلَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا، لَمْ يَحْنَثْ، إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ أَوْ سَبَبُ يَمِينِهِ يَقْتَضِي عَدَمَ الرُّجُوعِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْخُرُوجِ وَالرَّحِيلِ، وَقَدْ فَعَلَهُمَا. وَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ، إذَا حَلَفَ عَلَى رَجُلٍ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَغْدَادَ، فَخَرَجَ ثُمَّ رَجَعَ: قَدْ مَضَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute