للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ مَا عَدَّا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَالْحَيَوَانَ وَالْمَذْرُوعَ فِي السَّلَم عَلَى ضَرْبَيْنِ]

(٣٢١٩) فَصْلٌ: وَمَا عَدَّا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونِ وَالْحَيَوَانِ وَالْمَذْرُوعِ، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: مَعْدُودٍ، وَغَيْرِهِ فَالْمَعْدُودُ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَتَبَايَنُ كَثِيرًا، كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَنَحْوِهِمَا، فَيُسْلِمُ فِيهِ عَدَدًا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُسْلِمُ فِيهِمَا كَيْلًا أَوْ وَزْنًا، وَلَا يَجُوزُ عَدَدًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَبَايَنُ وَيَخْتَلِفُ، فَلَمْ يَجُزْ عَدَدًا، كَالْبِطِّيخِ.

وَلَنَا أَنَّ التَّفَاوُتَ يَسِيرٌ، وَيَذْهَبُ ذَلِكَ بِاشْتِرَاطِ الْكِبَرِ أَوْ الصِّغَرِ أَوْ الْوَسَطِ، فَيَذْهَبُ التَّفَاوُتُ، وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ يَسِيرٌ عُفِيَ عَنْهُ، كَسَائِرِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ، وَيُفَارِقُ الْبِطِّيخَ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَعْدُودٍ، وَالتَّفَاوُتُ فِيهِ كَثِيرٌ لَا يَنْضَبِطُ. النَّوْعُ الثَّانِي، مَا يَتَفَاوَتُ؛ كَالرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ، فَهَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَيْسَ بِمَعْدُودٍ مِنْ الْبِطِّيخِ وَالْبُقُولِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يُسْلِمُ فِيهِ عَدَدًا، وَيَضْبِطُهُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ هَكَذَا.

الثَّانِي، لَا يُسْلِمُ فِيهِ إلَّا وَزْنًا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ بِالْعَدَدِ، لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ كَثِيرًا، وَيَتَبَايَنُ جِدًّا، وَلَا بِالْكَيْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَجَافَى فِي الْمِكْيَالِ، وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْبُقُولِ بِالْحَزْمِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ، وَيُمْكِنُ حَزْمُ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ، فَلَمْ يُمْكِنْ تَقْدِيرُهُ بِغَيْرِ الْوَزْنِ، فَتَعَيَّنَ تَقْدِيرُهُ بِهِ.

[مَسْأَلَةٌ كُوِّنَ السَّلَم مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا]

[الْفَصْل الْأَوَّل يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ السَّلَمِ كَوْنُهُ مُؤَجَّلًا]

(٣٢٢٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ:

(إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ بِالْأَهِلَّةِ) وَهَذَا الشَّرْطُ الرَّابِعُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا أَجَلًا مَعْلُومًا. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُصُولٌ ثَلَاثَةٌ:

(٣٢٢١) أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ السَّلَمِ كَوْنُهُ مُؤَجَّلًا، وَلَا يَصِحُّ السَّلَمُ الْحَالُ. قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَشْتَرِطَ الْأَجَلَ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: يَجُوزُ السَّلَمُ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَصِحُّ مُؤَجَّلًا، فَصَحَّ حَالًّا، كَبُيُوعِ الْأَعْيَانِ، وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ مُؤَجَّلًا فَحَالًّا أَجْوَزُ، وَمِنْ الْغَرَرِ أَبْعَدُ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، أَوْ وَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» . فَأَمَرَ بِالْأَجَلِ، وَأَمْرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. وَلِأَنَّهُ أَمَرَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ تَبْيِينًا لِشُرُوطِ السَّلَمِ، وَمَنْعًا مِنْهُ بِدُونِهَا، وَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ إذَا انْتَفَى الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ، فَكَذَلِكَ الْأَجَلُ. وَلِأَنَّ السَّلَمَ إنَّمَا جَازَ رُخْصَةً لِلرِّفْقِ، وَلَا يَحْصُلُ الرِّفْقُ إلَّا بِالْأَجَلِ، فَإِذَا انْتَفَى الْأَجَلُ انْتَفَى الرِّفْقُ، فَلَا يَصِحُّ، كَالْكِتَابَةِ.

وَلِأَنَّ الْحُلُولَ يُخْرِجُهُ عَنْ اسْمِهِ وَمَعْنَاهُ، أَمَّا الِاسْمُ فَلِأَنَّهُ يُسَمَّى سَلَمًا وَسَلَفًا؛ لِتَعَجُّلِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَتَأَخُّرِ الْآخَرِ، وَمَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، مِنْ أَنَّ الشَّارِعَ أَرْخَصَ فِيهِ لِلْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>